حينما شاهدت الدعوة التى أطلقها البعض بضرورة الحوار مع «المُتعاطفين مع الإخوان» شعرت بحالة ضيق، وانتابنى غضب لا مثيل له وقُلت: يا خسارة دم الشهداء الأبطال من خيرة شباب الوطن، حقك علينا يا أحمد يا منسى إنت وزملاءك شبراوى وحسنين وخالد مغربى وضياء فتحى وطارق المرجاوى ونبيل فراج ومحمد أبوشقرة، يا خسارتك يا محمد مبروك يا من تلقيت ١٦ طلقة من سلاح آلى تحت منزلك من الإخوان الخونة، إحنا آسفين يا سيادة العميد عادل رجائى الذى اغتالك إرهابيون يعيثون فى الأرض فسادًا، وحقك علينا يا سيادة النائب العام هشام بركات يا من اغتالتك يد الغدر والإرهاب الإخوانى.. فـ«بئس المُتحدثون عن التعاطُف مع الإرهابيين»، ولعنة الله عليهم، وعلى الفور تذكرت تلك الكلمات الرائعة للرائع أمل دُنقل «لا تُصالِح، ولو منحوك الذهب، أترى حين أفقأُ عينيك، ثُم أُثبِتُ جوهرتين مكانهُما، هل ترى؟ هى أشياُء لا تُشترى، هل يصيرُ دمى بين عينيك ماء.. لا تُصالِح على الدم حتى بِدم، لا تُصالِح ولو قيل رأسًا بِرأس، أكلُ الرؤوس سواء، كيف تنْظُر فى يد من صافحوك، فلا تُبصر الدم فى كل كف؟ إن سهمًا أتانى من الخلف، سوف يجيئك مِن ألف خلف، لا تُصالِح ولو توجوك بِتاج الإمارة، فالدم الآن صار وسامًا وشارة، لا تُصالِح ولو قيل ما قيل من كلمات السلام، ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام، لا تُصالِح إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة، النجوم لِميقاتها، الطيور لأصواتها، الرمال لذراتها، والقتيل لِطفلته الناظرة، كل شىء تحطم فى لحظة عابرة».
سألت نفسي: جماعة الإخوان منبع التطرّف والتكفير والإرهاب، فهل هناك من يتعاطف مع الإرهابيين؟ وهل هناك من يبرر لهم جرائمهم؟ وهل هناك عاقل ينضم لصفوفهم ويدافع عن عملياتهم الإرهابية تجاه الجيش والشرطة والقضاء؟ فالمُتعاطِف مع الإرهابيين الذين قتلوا القاضى الخازندار والنقراشى باشا قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وحاولوا اغتيال جمال عبدالناصر مرتين واغتالوا السادات وارتكبوا جرائم العنف فى الفرافرة والكتيبة ١٠١ والواحات، وفجروا الكنائس والمساجد يُصبِح إرهابيا مثلهم، تربى على نفس الأفكار المُتطرفة وإلا لماذا لا يتعاطف مع الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن؟ أسئلة كثيرة، وعلامات استفهام أكثر، ولكن بالتأكيد فإن «المُتعاطِف» مع الإخوان إخوانى إرهابي مُتطرف ليس مِنا ولن يكون.
فى اليوم التالى، ومع استمرار حالة الضيق والغضب، قررت أن أذهب لأُصلى العِشاء فى مسجد السيدة نفيسة، وحينما دخلت مسجد السيدة، رغم أنى أذهب باستمرار، وقعت عينى على أسماء الله الحُسنى المكتوبة على جدران المسجد وتوقفت أمام «الودود المجيد الباعث الشهيد الحق»، ثم علا صوت الأذان ليؤم الإمام المصلين ويقرأ سورة التوبة «اشْتروْا بِآياتِ اللّهِ ثمنًا قلِيلًا فصدُّوا عن سبِيلِهِ إِنّهُمْ ساء ما كانُوا يعْملُون»، وظل الإمام يدعو الله ونحن نُردد خلفه «اللهم احفظ مصر وشعبها مِن المُتاجرين بالدين، اللهم ارحم شهداءنا واغفر لهم وأدخلهم فسيح جناتك يا الله»، وبعد الانتهاء من الصلاة، سمعت أحد المصلين بجوارى يدعو بالشفاء لابنه الجندى المصاب فى العمليات العسكرية فى سيناء، وسمعت من خلفى أحد المُصلين يدعو بالرحمة والمغفرة لزوج ابنته الضابط الشهيد فى إحدى عمليات التفجير الإرهابي التى ارتكبها الإخوان أهل الغدر والخيانة، وحينما توجهت لمقام السيدة نفيسة كان بجوارى رجال بسطاء يدعون لمصر وجيشها وأبناءهم بصوت مسموع، دعاء فك الكرب، وخرجت من باب مسجد السيدة نفيسة، وعلى مسافة قريبة من المسجد رأيت مقابر، فتوقفت أمامها قليلًا ونظرت إلى بعضها، وحينما دققت النظر فى إحدى اللافتات المكتوبة على مقبرة مواجِهة لى قرأت الآتى: «الشهيد.. استشهد أثناء اقتحام قسم شرطة كرداسة فى عام ٢٠١٣».
كل هذا ويخرُج علينا من يقول: هناك متعاطفون مع المجرمين الإخوان، ألا تستحون؟ ألا تخجلون؟ مَن يتعاطف مع الإجرام فهذا لا يليق ولا يُقبل ولا يُفهم، لأن المتعاطف مع من قتل وروع وفجر وذبح فهو مريض بنفس مرض من ارتكب كل هذه الأفعال الخسيسة، مَن هدد المصريون وقال لهم: جئناكم بالذبح حتى يعود محمد مرسى للسلطة، لن نحاوره ولن نضع أيدينا فى يده، ولن نمشى فى طريقه، فهو ضال، وسنواجهه بكل قوة، ومن يتعاطف مع الضالين المُضللين لا يُعنينا فى شيء، فهو اختار طريقه بنفسه، اختار أن يمشي فى طريق الضلال مثل من يتعاطف معهم.
فى أبجديات جماعة الإخوان هناك فئة المُتعاطفين، وهؤلاء إخوان عن جدارة، فقد دخلوا خندق الفكر المتطرف الذى زرعه حسن البنا فى عقولهم، فكر ما أنزل الله به من سلطان، فهل المتعاطف هو مسئوليتنا نحن؟ أم مسئوليته هو واختياره هو؟
لن أوجه رسالتى للمُتعاطفين مع الإخوان، فهُم مثلهُم مثل إخوانهم كـ«الجثة فى يد المغسل»، ويدينون بالسمع والطاعة لجماعتهم وولائهم لمرشد الإخوان، ولكنى سأوجه رسالتى لمن يتفلك ويتفلسف ويخرج علينا ويطالبنا بالتحاور مع المُتعاطفين مع الإخوان وأقول له: لا تتحدث باسمنا ولا تبيع لنا أفكارًا تهدف إلى عودة أمثال هؤلاء مرة أخرى، ولا تُوهمنا بقوة هؤلاء المتعاطفين وتُهددنا بهم، نحن حينما خرجنا فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كتبنا نهاية أحفاد حسن البنا وسيد قطب، لا ننتظر منك نصيحة جوفاء ولا تنصحنا، بل انصح نفسك أولًا، وراجع أفكارك ولا تمسك العصا من المُنتصف، ولا تغازل الإرهابيين، ولا تكُن عرابًا للمتعاطفين مع الإرهابيين، وانظُر لنفسك فى المرآة وتحدث مع نفسك لمدة دقيقة، واسأل نفسك هذا السؤال «لو ابنك استشهد فى إحدى العمليات الإخوانية الإرهابية هل من المعقول أن تذهب للحوار مع مَن يتعاطف مع الإرهابيين الذين اغتالوا ابنك؟»، لا أنتظر منك إجابة، لأن الإجابة معروفة وواضحة وضوح الشمس للأعمى.. لكنك لا تراها، فهل أنت أعمى؟ نعم أنت أعمى رغم أنك بصير.