حظيت لعبة الحوت الأزرق على أجهزة الهواتف الذكية بشهرة كبيرة -سلبية بالطبع- بين أوساط الشباب فى الفترات الأخيرة لا سيما بعد حدوث حالات انتحار لدى عدد ليس بقليل منهم بعد استخدام وممارسة هذه اللعبة وانتحار ابن عضو مجلس النواب السابق حمدى الفخرانى الذى يبلغ من العمر ١٨ سنة، وهى تطبيق على الموبايل أو التابلت يتم تنزيله عليها، وتتكون من ٥٠ مهمة تستهدف الفئات العمرية ما بين ١٢ و١٨ عامًا، وبعد أن يقوم اللاعب بالتسجيل لخوض التحدى، يُطلب منه نقش الرمز التالى «F٥٧» أو رسم الحوت الأزرق على الذراع بأداة حادة، ومن ثم إرسال صورة للمسئول للتأكد من أن الشخص قد دخل فى اللعبة فعلًا، وتتم السيطرة على اللاعب من خلال اتباع بعض التعليمات الغريبة التى تعتبر جزءًا من طقوس اللعبة، ومنها الاستيقاظ فى وقت مبكر، ومشاهدة بعض الأفلام التى تحتوى على مشاهد مرعبة وسماع أنواع معينة من الموسيقى بجانب العزلة التامة وعدم محادثة الأشخاص، وذلك لضمان وصول اللاعب إلى حالة نفسية سيئة تمهيدًا للمرحلة الأخيرة وهى تنفيذ التحدى الأخير، وهو الانتحار!
ربما ظهور واقعة انتحار ابن الفخرانى وآخرين عبر برامج الفضائيات المختلفة مؤخرًا جعل هناك زخمًا كبيرًا لمعرفة هذه اللعبة ومحاولة التعرف عليها، وربما تجريبها من منطلق الممنوع مرغوب من قبل بعض الشباب العاطل بطبيعته الذى يجد فى الموبايل والهواتف الذكية وسيلة جيدة وفعالة لقتل وقت فراغه، ففى شهر يناير ٢٠١٨ أقدم أحد العاطلين من سكان حى إمبابة بمحافظة الجيزة على قتل والده، وقال فى التحقيقات إن المسئولين عن لعبة الحوت الأزرق هم من طلبوا منه قتل أحد أقاربه، وأنه اختار والده بسبب كثرة المشكلات بينهما! مثل هذه الحوادث وغيرها يدق ناقوس الخطر على تأثير التكنولوجيا الحديثة على تربية أولادنا، حيث احتلت هذه التكنولوجيا مكانة الوالدين فى تربية الأبناء وكرست فيهم العزلة والوحدة والهروب من الواقع المرير والبطالة، التى تطاردهم منذ تخرجهم فى الجامعة كل وقت وحين!
فلم يعد استخدام هذه التكنولوجيا حكرًا على المختصين بل أصبح متاحًا لمعظم الأشخاص على اختلاف مهاراتهم ومستوياتهم العلمية، وشكل الشباب النسبة الكبرى فى سهولة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والأكثر تفاعلًا معها، بحكم القدر الأكبر الذى يتقبل فيه الشباب تجربة أى شيء جديد مقارنة مع الأجيال الأكبر سنًا، فضلًا عما قدمته وسائل الاتصال الحديثة من سهولة فى التواصل مع أقرانهم فى مختلف بقاع العالم بفضل توفر هذه الوسائل بين أيدى نسبة كبيرة من الشباب بسبب رخص أسعارها النسبي، فأصبح من الطبيعى أن يحظى الشاب فى مقتبل عمره بهاتف نقال وجهاز حاسوب، وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة، التى كانت حكرًا فيما مضى على فئات اجتماعية معينة.
كما دفع توفر وسائل التكنولوجيا الحديثة بين أيدى الشباب الكثير من المختصين إلى دراسة مستويات تأثر الجيل الشاب بهذه الوسائل وطرق تعاطيهم معها سلبًا أو إيجابًا، وظهرت العديد من الأصوات، التى تحذر من خطورة التكنولوجيا الحديثة على الشباب من خلال تغيير سلوكهم الاجتماعي، وتأثرهم بأفكار قادمة من الخارج تتعارض مع طبيعة مجتمعاتنا لتخلق فجوة بين الشباب ومجتمعاتهم. على أى حال لا بد من الرقابة الصارمة على التكنولوجيا الحديثة حتى يتم تجنب آثارها السلبية على الشباب مع تقديم الوعى لهم بمخاطر الانسياق الكلى وراءها ومحاولة مساعدتهم للعمل والإنتاج والخروج من عزلتهم وهروبهم من واقعهم المرير، حيث إن استخدام الإنترنت أصبح بديلًا للتفاعل الاجتماعى الطبيعى مع الأصدقاء والأقارب، وأصبح هدف الشباب الوحيد قضاء الساعات فى استكشاف مواقع الإنترنت المتعددة مما يعزز الرغبة والميل للوحدة، بما يقلل من فرص التفاعل الاجتماعى، نظرًا لتحول هذه الوسائل إلى الصديق الجيد المقرب فهى تسد أوقات الفراغ والوحدة عند الشباب، خاصة أن جزءًا كبيرًا من هذه الوسائل الحديثة يعتمد على فكرة بناء عالم افتراضى خاص، يتحول فيه الشاب مع كثرة الاستخدام إلى عبد للآلة تقطع معه المسافات الوهمية، وهو جالس فى مكانه دون حراك ويتصور أشياء غير حقيقية، وقد يقضى ساعات طويلة دون أن يدرى موعد الغداء والعشاء والصلاة ودخول الحمام! وربما يقوده ذلك إلى عالم الخيال والشخصيات الوهمية ليصحو من غفوته لاحقًا، ويرى أنه لا يزال جالسًا وحيدًا فى مكانه دون أن يحرك ساكنًا!.