تطل علينا الفتنة برأسها، بين حين وآخر، حين يتحدث البعض، للأسف الشديد، عن جدوى أو ضرورة "مُصالحة" مزعومة، مع جماعة الإخوان الإرهابية، يوهمون الناس أنهم صوت النظام، والنظام منهم براء.
ولهؤلاء وأمثالهم من الذين يعيشون بيننا، ويأكلون طعامنا ويشربون ماءنا، ينتظرون لحظة ضعفنا كي ينقضوا علينا.
نقول لهم بكل وضوح: لا تأخذنا فى الله لومة لائم، استريحوا واصمتوا، فلن نتصالح على الدم حتى بدم، لن نتصالح ولو قيل: رأس برأس، فليس كل الرءوس سواء..
المنسي ليس محمد كمال، ورأس محمد مبروك أرفع لدينا ألف مرة من رأس المرشد العام محمد بديع نفسه، تلك هي المعادلة باختصار.
إنهم يطرحون بالونة اختبارهم لصالح الذين يحركونهم، من بعد، ليتعرفوا على كيفية استقبال الناس فى بلادى لفكرة المصالحة.
والسؤال الذي لم يسألوه لأنفسهم، كيف يقبل رجل فى مصر - وأنا هنا أخاطب الرجال بالمعنى لا بالجنس، ففى مصر نساء كالرجال وأكثر فى احترام قيمة الوطن - أقول كيف يقبل رجل في مصر أن يصافح أحدًا من كوادر وقيادات تلك الجماعة الإرهابية، الذين لم يمسكوا سلاحا فعليا في أيديهم بالمعنى المادي للكلمة، ولا يبصر دم أبنائنا فى كل كف.. فقد علم ودرب وشرعن للقتل لعشرات السنين مضت، كيف نصدق مقولات، كالتي يطلقها البعض الآن، جئناك كى تحقن الدم.. جئناك كن يا أمير الحكم.. ها نحن أبناء عم..
ولا يقول لهم في وضوح.. إنهم لم يراعوا العمومة فيمن قتل؟
هل نستطيع أن نصافح هؤلاء القتلة الذين يتحدث عنهم أديب ومن على شاكلته، دون أن نبصر الدم فى كل كف، كيف ننسى دروس التاريخ؟ !التي تقول بوضوح أن سهمًا أتاهم من الخلف؟ سوف يأتينا من كل خلف.
نعم لن نتصالح؛ لأن التصالح بين ندين فى شرف الخصومة لا ينتقص، وهؤلاء القتلة لم يضعوا لشرف الخصومة اعتبارًا ولا للدم هيبة، استحلوا دم أبناء الوطن، بل الوطن ذاته واستباحوا أعراضه يومًا بعد يوم.
نثق تمامًا أن جماهير ثورة 30 يونيو، ترفض المصالحة، وهى التى خرجت رافضة لحكم المرشد، والتى دفع أبناؤها من ضباط الجيش والشرطة، ومن المدنيين دماءهم وأرواحهم ثمنًا غاليًا للدفاع عن سيادتها والتى كان جوهرها، "لا لحكم المرشد لا للجماعة الخائنة للوطن".
الحقيقة أن جوقة الداعين للمصالحة يتوازى معها، وفى نفس الوقت أصوات أخرى تتحدث عن قهر أمنى، واغتصاب للسلطة وضياع للحريات والنتيجة أننا نحتاج إلى ثورة أخرى تعيد الميزان لوضعه المعتدل.
والغريب أن أحدًا من هؤلاء الذين يرددون هذا الكلام لا يبصرون قوافل الشهداء من جنود وضباط الجيش والشرطة الذين تقتلهم الجماعة الإرهابية بدم بارد كل يوم، ولا يسمعون صوت الشهيد وهو يردد:
"كنت أغفر لو أننى مت ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.. لم أكن غازيًا.. لم أكن أتسلل قرب مضاربهم.. لم أمد يدًا لثمار الكروم.. أرض بستانهم لم أطأ.. لم يصح قاتلى بى انتبه.. كان يمشى معى.. ثم صافحنى.. لكنه فى الغصون اختبأ.. فجأة ثقبتنى قشعريرة بين ضلعين واهتز قلبى -كفقاعة- وأنفثا"!.
لم يسمعوا كلمات الشهيد الصديق محمد مبروك التى أتخيل أنه يتلوها علينا قبيل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: "الذى اغتالنى ليس أنبل منى.. ليقتلنى بسكينته.. ليس أمهر منى ليقتلنى باستدارته الماكرة.. الذى اغتالنى محض لص.. سرق الأرض من بين عينى.. والصمت يطلق ضحكته الساخرة".
فى كل لحظة، أتذكر وجه ابنته "حبيبة"، عندما سألتها عن اغتيال أبيها الشهيد محمد مبروك، غدرًا على يد مجرمى الجماعة الإرهابية، المسماة بالإخوان، قلت لها ماذا تريدين يا "حبيبة" قالت لي: "أريد أبي".
حينها تذكرت قول اليمامة بنت كليب، عندما جاءها العرب يطالبونها بأن تكف الحرب على من قتلوا أباها فقالت قولتها الشهيرة: "أبى لا مزيد، أريد أبى عند بوابة القصر فوق حِصان الحقيقة، منتصبًا من جديد، ولا أطلب المستحيل إنه العدل".
لقد غدروا بالشهداء الأبطال.. فى كرداسة، وفى الفرافرة، وفى سيناء، وفى الفيوم، وفى المنيا، وفى أسيوط، وفى الأقصر.. وفي الوادي الجديد، لم يراعوا فينا ولا فيهم، "إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ".
عمليات إرهابية عديدة راح ضحيتها المئات من أبنائنا من رجال الجيش والشرطة، والمدنيين مسلمين ومسيحيين، لم يراعوا حتى المصلين في المساجد والكنائس، في بيوت أمر الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه وندخلها آمنين.
من يملك المساومة على دماء هؤلاء جميعا ولا يسمع صوت أبنائهم وهم يصرخون عندما تأتى سيرة المصالحة.
أعيدوا إلينا آباءنا وأزواجنا وأخوتنا وأحباءنا، نعم، عندما تذهبون إلى المصالحة مع مصاصى الدماء يجب أن تعيدوا لهؤلاء اليتامى آباءهم، لهؤلاء النسوة اللابسات الحداد أزواجهن، لهؤلاء الأمهات والآباء الذين فقدوا أبصارهم حزنًا وكمدًا على أبنائهم، نور أعينهم.
يجب أن نسأل أنفسنا قبل أن تلوك ألسنتنا حديث المصالحة، هل تتحول دماء هؤلاء الشهداء بين عيوننا.. فى لحظة من لحظات ضعفنا.. ماءً؟
هذا هو السؤال الذى سيظل يطاردنا ويطارد عماد أديب ورفاقه ومن أرسلوه ومن أيدوه ومن يقفون خلفه، فى نومنا وفى صحونا، إلى أن يجد إجابة شافية.
ربما يتساءل البعض: ألم يقتل منهم رجال ونساء أيضًا؟ ويرد عليهم شهداؤنا.. لن نصالح ولو قيل رأس برأس.. أكل الرءوس سواء.. وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك.. بيد سيفها أثكلك.. لا تصالح ولا تتوخى الهرب!.
أعرف أن لا أحد يستطيع، فى مصر، أن يقول بالمصالحة إلا الذين يدورون فى فلك الدول الداعمة للإرهاب وحلفائها من الأتراك والقطريين والجماعة الإرهابية، وهؤلاء الذين يقفون بعيدا خلف الأطلسي ينتظرون لحظة ضعفنا، هؤلاء الذين يسعون دائمًا لاستغلال أى ثغرة يدخلون من خلالها إلى قلب وطننا الحبيب، فى توقيت تتعرض فيه البلاد لأكبر مؤامرة فى تاريخها تستهدف تقسيمها وتفتيت جيشها، وهو ما يلقى علينا مسئولية كبيرة تجعلنا نعلن جميعًا بصوتٍ عالٍ ومخلصٍ وجرىء أن لا قدم فى بلادنا لعملاء الدول الداعمة للإرهاب وحلفائها من رجال الطابور الخامس.. الذين يسعون بيننا تارة بالمصالحة وتارة أخرى بالحديث عن ديمقراطية الإفراج عن الجواسيس والخونة وبائعى الأوطان.. ثم يصمتون كالموتى، عندما يسقط الأبطال شهداء هنا لا يحسون بمغص الديمقراطية يسرى فى معدتهم، ولا رعشة حمى الحريات تسرى فى أجسادهم، فقط عندما تأتى التوجيهات من دوائر معينة بالخارج يتحرك الجميع على رقعة الشطرنج وفق خطة واحدة للإجهاز على هذا الوطن.
أعلم يقينا، أنه لا شىء سوف يكسرنا، لكن الحرص واجب، والحيطة مطلوبة، وفضح المتخاذلين الذين ينخرون فى عظام هذا البلد هو التحدى الأكبر.
إن الحمام المطوق لا يقدم بيضته للثعابين.. حتى يسود السلام.. فمن يطالبنى أن أقدم رأس أخى ثمنًا لتمر القوافل آمنة.. وتبيع بسوق دمشق حريرًا من الهند.. وأسلحة من بخارى.. وتبتاع من بيت جالا العبيد!
باسم شعبٍ أبىٍ شجاع، لا يخاف فى الحق لومة لائم، وباسم كل شهيد سالت دماؤه الزكية دفاعًا عن دينه وعرضه، ووطنه وشعبه، نحذر من دعوات المصالحة المشبوهة، ونقول بكل وضوح: "إن الملايين التى خرجت فى ٣٠ يونيو، رافضة حكم الجماعة المشبوهة، وتحملت طوال السنوات السابقة سوف تخرج أضعافا مضاعفة، إذا خرج هذا الحديث عما يسمى بالمصالحة، مع تلك الجماعة الإرهابية من الهمس إلى العلن وسوف تكون هذه هى الطامة الكبرى".
وأقول للأمهات اللاتى غُدر بأبنائهن، وللزوجات اللاتي غدر بأزواجهن، وللأبناء الذين غدر بآبائهم، إننا معكم وبينكم، نعدكم دائما أن نكون بجواركم، يدًا بيد وكتفًا بكتف، نعدكم أن نكون صوتكم، حتى ننتصر وينتصر الوطن، على كل أعدائه، بما في ذلك تلك الفئة الضالة وحلفائها فى الداخل والخارج.
ويبقى الشعر خالدًا خلود الوطن وشهدائه الأبرار، خاصة عندما يأتي علي لسان الشهيد:
"ما تكتبوش اسمى على قبرى ولا تنصبوش شاهد، ولا تزرعوش صبار، ولا تلعبوشي معايا.. لعبة الأشعار، وآدي الحكاية بأمانة، لما لقيت وش الوطن بيضيع، شكل الوطن بيضيع، ريحة الوطن بتميع، قررت أفدى الجميع نطيت في قلب العفن، وهتفت باسم الوطن..
الوطن هو الديانة، والوطن من غير حق الشهيد خيانة".