الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الخلافة الإسلامية.. حقائق وأوهام -7

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك استقلال الدول التابعة لتركيا وإلغاء نظام الخلافة فى عام 1924 لم تثر العامة فى مختلف البلاد الإسلامية غضبًا وحزنًا، ولم نسمع أو نقرأ عن مظاهرة واحدة قد خرجت فى مصر أو الحجاز أو الشام رفضًا لقرار أتاتورك الذى كان مجرد تحصيل حاصل كما يقولون، فواقع الأمر أن الخلافة العثمانية لم يكن لها أى وجود حقيقى منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فقد وقعت مصر تحت نير الاحتلال الإنجليزى، وكذلك فلسطين ووقعت الشام تحت احتلال فرنسى وكذلك تونس والجزائر، وأما ليبيا فقد باتت فريسة للاستعمار الإيطالى ولم يعد للخلافة أى وجود على أرض الواقع، اللهم إلا الدعوة على المنابر يوم الجمعة لمولانا السلطان خليفة المسلمين، ولا شك فى أن معظم الشعوب الإسلامية كانت تنتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التى تنال فيها حريتها رسميًا بعد سنوات طويلة من الاحتلال العثمانى.
وقد حاولت هذه الشعوب مرارًا وتكرارًا الثورة على الأتراك باعتبارهم غزاة ولصوص أتوا لنهب ثروات العرب وخيراتهم، وما كانت الحركة الوهابية فى الجزيرة إلا ثورة على الخلافة العثمانية، وكذلك الثورة العربية الكبرى التى قادها الشريف حسين، وطوال سنوات الاحتلال العثمانى لم ينجح الأتراك فى الاندماج داخل النسيج العربى بسبب كبريائهم وغرورهم، فقد ظل التركى هو جناب الأغا.. حضرة أفندينا.. الباشا الذى يمتطى جواده حاملا سوطه فى يده لينزله على ظهر الفلاح الفقير الذى كتبت عليه الأقدار أن يتحول إلى أجير عند المحتل، وباتت المناصب العليا من حق الأتراك فقط، وأما أصحاب البلد فلاحظ لهم فى قيادة أو وزارة حتى أتى الفلاح أحمد عرابى ليقود أول ثورة حقيقية فى مصر ضد هذا الظلم وحين نجحت الثورة فى أولها وتقلد عرابى وزارة الحربية، وأصبح بارقة أمل عند كل المصريين الذين تمنوا أن يكون أبناؤهم كعرابى، استدعى الخديو توفيق الإنجليز لحمايته منه ومن الفلاحين، وهكذا؛ فإن الشعوب كانت رافضة من داخلها للاحتلال التركى ولم تعتبره فى يوم من الأيام خلافة إسلامية، لا سيما قد رأت هذه الشعوب ممارسات الأتراك البعيدة كل البعد عن الإسلام، ولأن الفن هو عنوان الحقيقة ومن خلاله يمكن استنباط التاريخ والوصول إلى تفاصيل اجتماعية وسياسية واقتصادية فدعونى أتحدث عن دراسة شرفت بوضعها أثناء دراستى العليا فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وكانت بعنوان «استلهام الأشكال الشعبية المسرحية فى المسرح المصرى»، وقد نشرت هذه الدراسة فيما بعد فى كتاب بعنوان: «المسرح الشعبى»، وفيه توصلت إلى أن الأشكال المسرحية كالأراجوز وخيال الظل قد وفدت إلينا مع الاحتلال التركى، وبدراسة نصوص الأراجوز الكوميدية سنكتشف أنها كانت تدور حول الخيانة الزوجية، أما نصوص خيال الظل فكانت تدور حول الشذوذ الجنسى، وهى القضايا التى لم تكن مجتمعاتنا قد عرفتها من قبل، بل إن فكرة بيوت الدعارة والترخيص لها هى فكرة عثمانية وافدة، وإذا تحدثنا عن الخلافة العثمانية وبحار الدم التى تلاطمت أمواجها داخل قصور الاستانة فحدّث ولا حرج، وزد فى الحديث عن الغلمان والمحظيات وعن حريم السلطان، وحدثنى أيضًا عن الملكة صفية زوجة السلطان مراد الثالث وأم السلطان محمد الثالث، تلك الجارية التى أصرت أن يتولى ابنها منصب الخلافة حتى لو كلفها ذلك قتل إخوته الثمانية عشر لكونهم من نساء أخريات، وقد نجحت صفية فيما خططت له فكانت مشرفة على أكبر مذبحة لأبناء السلاطين العثمانيين الذين ينعتهم البعض من أصحاب اللحى بالخلفاء، هؤلاء الذين لم يحركوا ساكنًا حين وقعت الدولة الإسلامية تباعًا تحت نير الاحتلال الأوروبى، وحين خلعت بريطانيا عباس حلمى أثناء وجوده فى تركيا تغنى الشعب المصرى: «الله حى، عباس جاى، جاب تركيا وتنه جاى»، فقد كان هذا الشعب الطيب يأمل فى أن يعود عباس بجيش الخلافة كى يطرد الإنجليز من مصر، ولكن هذا لم يحدث، وطوال القرون الأربعة التى وقعت فيها مصر تحت الاحتلال العثمانى لم يفكر الباب العالى فى إقامة مشروعات تنموية أو مدارس أو مصانع أو مستشفيات، وإنما كان همه هو الخراج الذى يحمل إلى الاستانة وإقامة التكايا لنيل ولاء بعض الفقراء، ولم يحدث أى تطور يذكر إلا فى عهد محمد على الذى كان يرغب فى الاستقلال بحكم مصر وإقامة امبراطورية جديدة، وكل هذه الأسباب وغيرها جعلت خبر انتهاء الخلافة الإسلامية لا يهم أحدًا من العامة أو البسطاء، فى حين دعا الأزهر الشريف إلى عقد مؤتمر كبير لبحث مسألة الخلافة، وتحدد شهر مارس 1925 موعدا لهذا المؤتمر على أن يحضره قادة وزعماء العالم الإسلامى، وتهامس البعض أثناء التحضير للمؤتمر إلى مبايعة الملك فؤاد ليكون خليفة المسلمين، بينما كان الحسين بن على ملك الحجاز يريد إعلان نفسه خليفة للمسلمين فرفضت مصر ذلك، وعلى أثر مشادات ومشاحنات أثناء الجلسة الأولى للمؤتمر تم الإعلان عن تأجيله إلى مايو 1926، ولكنه لم ينعقد حتى يومنا.. وللحديث بقية.
----------------
كوتيشن: طوال القرون الأربعة التى وقعت فيها مصر تحت الاحتلال العثمانى لم يفكر الباب العالى فى إقامة مشروعات تنموية أو مدارس أو مصانع أو مستشفيات، وإنما كان همه هو الخراج الذى يحمل إلى الآستانة