بعد أن نوهت فى المقال السابق إلى الجريمة الإرهابية فى العصور الوسطى، وكيف كانت تتم مواجهتها، فإننى أتناول فى هذا المقال المواجهة القانونية للإرهاب فى القانون الدولي، فمع تطور المجتمعات وظهور المنظمات الدولية، وتنامى ظاهرة الإرهاب المنظم؛ فقد اتخذت المواجهة القانونية للإرهاب شكلًا جديدًا فى صورة تشريعات دولية ووطنية لمواجهة هذه الظاهرة التى أصبحت تهدد مصالح الدول والشعوب.
ولكن قبل أن أعرض للتسلسل التاريخى للمواجهة القانونية الدولية للإرهاب، أود أن أشير إلى إشكالية غاية فى الصعوبة، فإلى الآن لم يستقر المجتمع الدولى على وضع تعريف محدد للإرهاب، وهذا راجع إلى اختلاف نظرة الدول إلى طبيعة العمل الإرهابى ذاته، فما يراه البعض إرهابًا، قد يراه البعض الآخر عملًا مشروعًا.
فعلى سبيل المثال؛ ترى بعض الدول أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلى عملًا إرهابيًّا، بينما هو عمل مشروع يتمثل فى حق شعب هذه الدولة المحتلة فى تقرير مصيره، وليس من شك أن هذا الاختلاف سوف ينعكس على التشريعات القانونية الدولية فى هذا الخصوص.
ومهما يكن من أمر؛ فإنه يمكن توضيح المواجهة التاريخية الدولية للإرهاب فى النقاط الآتية:
1) كانت أول محاولة فى هذا الخصوص فى عام 1937م فى عهد عصبة الأمم، وذلك من خلال التوقيع على اتفاقية «تجريم الإرهاب والعقاب عليه».
2) ثم بعد ذلك كانت اتفاقية «لاهاي» عام 1970م «لقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات».
3) فى عام 1972م، قامت منظمة الأمم المتحدة بإضافة لفظ «دولي» إلى كلمة «إرهاب»، وإنشاء لجنة متخصصة لدراسة الدوافع والأسباب الكامنة وراء العمليات الإرهابية.
4) فى عام 1977م، تم إبرام الاتفاقية الأوروبية لمنع الإرهاب.
5) فى عام 1979م، تم إقرار اتفاقية «أخذ الرهائن» من قبل الأمم المتحدة.
6) فى عام 1980م، وضعت لجنة الإرهاب الدولى التابعة للأمم المتحدة مشروع اتفاقية موحدة بشأن الإجراءات القانونية لمواجهة الإرهاب الدولي.
7) فى عام 1997م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية «قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل» بالقرار رقم (52/146).
8) فى عام 1999م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية «قمع تمويل الإرهاب» بالقرار رقم (54/ 109).
9) فى عام 2001م، وبعد أحداث 11 سبتمبر، برز دور مجلس الأمن فى مكافحة الإرهاب الدولي؛ فأصدر عدة قرارات فى هذا الخصوص، لعل أبرزها القرار رقم (1373)، والذى صدر فى 28/11/2001م، وقد فرض هذا القرار عدة التزامات، منها:
أ) الامتناع عن تمويل كافة أنواع الدعم الصريح والضمنى للكيانات أو الأشخاص المتورطين فى الأعمال الإرهابية.
ب) الالتزام بتبادل المعلومات الخاصة بأعمال الشبكات الإرهابية وتحركاتها.
10) وأخيرًا فى عام 2014م، وبعد ظهور داعش، صدر قرار مجلس الأمن رقم (2170)، وأكد هذا القرار عدة أحكام، لعل أهمها:
أ) التعاون الدولى بين الدول بصورة عامة، والتعاون الإقليمى بصورة خاصة، من أجل وضع حد لجرائم هذه الجماعات والكشف عن أعضائها وتقديمهم للعدالة.
ب) أن تقوم الدول باتخاذ التدابير الوطنية اللازمة لمنع تدفق الإرهابيين عبر أراضيها من أجل الانضمام لهذا التنظيم الإرهابي.
ج) عدم القيام بشكل مباشر أو غير مباشر بنقل أو بيع أو توريد الأسلحة لهذا التنظيم الإرهابي.
كان هذا موجزًا يوضح التسلسل التاريخى لأهم التشريعات الدولية التى صدرت من أجل مواجهة الإرهاب الدولي؛ لما يمثله من خطر جسيم يهدد، وفى المقال المقبل سوف أتناول التشريعات التى أصدرتها مصر فى هذا الخصوص.
---------------
كوتيشن: حتى الآن لم يستقر المجتمع الدولى على وضع تعريف محدد للإرهاب، وهذا راجع إلى اختلاف نظرة الدول إلى طبيعة العمل الإرهابى ذاته، وعلى سبيل المثال ترى بعض الدول أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلى عملًا إرهابيًّا، بينما هو عمل مشروع يتمثل فى حق شعب هذه الدولة المحتلة فى تقرير مصيره
