الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معرفة خبايا الصدور!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا لو اطلع الإنسان على ما يدور فى ذهن الآخرين عنه؟ هل معرفة الإنسان للأفكار والأسرار التى تدور فى عقل من يتعامل معهم، تسهم فى سعادة الناس أم فى شقائهم؟
أحيانًا يخاطب أحدنا الآخر، قائلًا:
«أنا نفسى أعرف ما يدور فى دماغك».
هل حقًا لو عرفنا حقيقة ما يدور فى رأس بعضنا البعض سيؤدى هذا إلى فائدة؟ أم ستنجم عنه أضرار جسيمة؟
صحيح أنه يمكننا أن نستشف من خلال تعبيرات وجه من نخالطهم ونتعامل معهم، أو من خلال إيماءات الرأس ونظرات العين وحركات اليدين، أو باختصار من خلال ما اصطلح على تسميته بـ «لغة الجسد» body language، يمكننا أن نستشف الموقف الانفعالى والحالة النفسية وطبيعة شخصية من نتعامل معه.
لكن ليس هذا ما رميت إليه حين تساءلت:
ماذا لو اطلع الإنسان على «خبايا صدور» كل من يتعامل معه، سواء أكان شخصًا قريبًا أم غريبًا؟
إن ما أعنيه على وجه الدقة هو بحث النتائج والآثار المترتبة على امتلاك الإنسان حاسة- كحاسة البصر- ولنسمها «الحاسة السابعة» يستطيع الإنسان من خلالها أن يرى ليس فقط منظر الأشخاص وهيئتهم من الخارج، بل يرى دخائل أنفسهم وخبايا صدورهم.
هذا كما هو واضح افتراض خيالى غير متحقق فى الواقع، لكن سؤالى هو: ماذا لو تحقق هذا الأمر بالفعل فى الواقع؟ وما الذى سينجم عن تحققه من نتائج على مستوى علاقة الناس ببعضهم البعض؟ هل سيكون هذا خيرًا أم شرًا؟ مفيدًا أم ضارًا؟ 
ماذا لو امتلك الإنسان بالفعل «الحاسة السابعة» تمكنه من رؤية ما يفكر فيه الآخرون بوضوح؟ ويشاهد كأنه يقرأ فى كتاب مفتوح، أو يشاهد شاشة تليفزيون أو كمبيوتر ما يدور فى عقول الناس من أفكار وأسرار، ماذا لو كان فى وسع الإنسان بالفعل الاطلاع على ما يدور فى عقول الآخرين الذين يتعامل معهم فقط من أفكار وأسرار؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين:
أولهما: أن «الحاسة السابعة» سوف تمكن المرء من الاطلاع على ما يدور فى عقول من يتعامل معهم، وكأنه يقرأ فى كتاب مفتوح أو يشاهد شاشة تليفزيون أو كمبيوتر.
أقول يرى ويشاهد أفكار الآخرين عنه، ولا أقول يستنتج ويخمن.
ثانيهما: إن «الحاسة السابعة» تعمل على إدراك ما يدور فى أذهان من نتعامل معهم فقط، بمعنى أن هذه الحاسة تبدأ فى العمل حين نشرع فى التعامل مع شخص ما، أما من لا نتعامل معهم، أو من لا صلة تربطنا بهم، فإن هذه الحاسة لا شأن لها بهم، فهى عاجزة عن معرفة ما يدور فى عقولهم؛ تمامًا كأجهزة الكمبيوتر تظل مغلقة فى وجهنا ما دامت لا تخصنا ولا نتعامل معها، وتبدأ فى العمل حين نضغط زر التشغيل لاستخدامها، هنا يبدأ إدخال معلومات واستخراج أخرى، وتكون كل محتويات الكمبيوتر متاحة لنا.
والآن نعود إلى سؤالنا المحورى:
لو افترضنا جدلًا أن المرء امتلك هذه الحاسة بالمواصفات التى ذكرناها، هل سيؤدى ذلك إلى سعادة البشرية أم شقائها؟ هل سيؤدى امتلاك الإنسان لهذه الحاسة إلى نتائج طيبة أم سيؤدى إلى نتائج كارثية؟ّ
إذا بادر القارئ الكريم وصرح بأنه من رحمة الله بنا أننا لا نعرف حقيقة ما يدور فى أذهان الآخرين، وأننا لو اطلعنا على ما يدور فى عقل من نتعامل معهم بالوضوح نفسه الموجود به فى عقول أصحابها، فإن هذا سوف يؤدى إلى نتائج كارثية!.
إن هذا القول يعنى أن القائل به لا يحسن الظن بالآخرين، ويرى أن عقول الناس لا تحوى سوى أفكارًا شيطانية شريرة: 
وهنا نتساءل هل الجهل أفضل من العلم؟ وهل الغموض أسوأ من الوضوح؟
ألا ينطوى القول «إن من رحمة ربنا بنا أننا لا نعرف حقيقة موقف الآخرين تجاهنا»، ألا ينطوى هذا على مبدأ أن تعيش مخدوعًا أفضل من أن تعيش فى وضوح وشفافية مع من تتعامل معهم؟
أما إذا كانت الإجابة «إننا لا نعرف حقيقة ما يدور فى ذهن الآخرين لحكمة لا يعلمها إلا الله». فإن هذه ليست «إجابة»، وإنما هى فى حقيقة الأمر «هروب من الإجابة»، أو «امتناع عن الإجابة».
أود أن أختم بالإشارة إلى ما سيترتب على تفعيل «الحاسة السابعة» من مفارقات وطرائف، إذ قد تجد فتاة جميلة تجلس مع زميلها فى العمل أو الجامعة وفجأة تصفعه على وجهه وتعنفه بأقسى الكلمات.. لماذا؟
لأن «الحاسة السابعة» لديها مكنتها من قراءة حقيقة ما كان يدور فى ذهنه من أفكار نحوها وهو يلتهمها بعينيه وأدركت بوضوح حقارة وقذارة أفكار زميلها نحوها.