الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان ووهم الخلافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الرسول- صلى الله عليه وسلم- ترك لنا أمورًا كثيرة- مثل تفسير القرآن- ليفسر حسب كل عصر ليناسب متغيراته وتطوره، وهو أمر ليس للتيسير فقط، بل لترك مساحة من الاجتهاد وحركة الفكر، وعلى هذا النحو ترك الخلافة لنظام الحكم المناسب للمجتمع، لكن أصحاب الكهنوت الدينى روجوا لفكرة الخلافة طمعًا فى السلطة وحبًا فى النفوذ، وليس لإعلاء كلمة الله، فقد قال الله تعالى فى منتصف سورة هود {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} واستعمركم هنا دلالة على الإعمار والرقى وترك بذلك أيضًا مساحة للاجتهاد دون أن يقيد أو يقنن طريقة الإعمار.
لقد ابتلينا عبر التاريخ بوهم كبير سفكت لأجله بحار من الدم، وأزهقت فى مطاردته ما لا يعد ولا يحصى من الأنفس البريئة، خرافة عشناها حتى تملكتنا وأصبحت تأتى طائفة منا فى أحلامهم وتخابر طائفة أخرى عبر سرداب!! هذه الخرافة أفسدت على المسلمين دينهم ودنياهم واستغلت أسوأ استغلال من تجار الدين والسياسة والاستخبارات الأجنبية حتى جعلوها بمثابة ركن من أركان الإسلام والإيمان، وهى ليست من ذلك فى شيء إلا بمقدار ما للأسطورة من علاقة بالواقع والحقيقة.
ولنلتقط صورًا جسدها رجال الكهنوت لتكن مثالًا على ذلك فكرة (الخلافة)، عندما سقطت فى أوائل القرن العشرين بدأت الصراعات عليها من جهتين رئيسيتين: الملكية المصرية، وآل سعود؛ حيث بدأ الأمر بالحشد من الطرفين وتدشينها بريادة حسن البنا وعدد من العلماء، وفى عام ١٩٢٨ وتحديدا بعد المؤتمر الخامس للخلافة استقل حسن البنا واختص الفكرة لنفسه، وأنه لا بد من عودة الخلافة حتى يعود الإسلام. 
بالفعل إنها أول جريمة ارتكبت فى حق الإسلام، وهى مزج ماهية الدين بفكرة الخلافة، وعلى أثر ذلك أن أى دم أريق أو يراق أو سيُراق يكمُن فى الدفاع عن ذلك السراب الذى اختلقه من أجل فكرة عبثية، ألا وهى ثبوت قدم الإسلام، غاضًا بصره عن المقصد الأول بالحديث الشريف (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق؛ أو كما قال).
أخذ حسن البنا على عاتقه وضع اللبنة الأولى للجماعة، وكما يقولون أول القصيدة كفر أطلق عليها جماعة «الإخوان المسلمون»، ربما يراه البعض شيئًا عاديًا ويمر من أعيننا مرور الكرام، لنحلله ونرى ما المغزى الذى يحتويه، كلمة «المسلمون» بالألف واللام مثال- من خصائص المسلمين الصلاة فى المسجد- مباشرة يفهم أنهم المسلمون كافة، ولكن لو قلنا هناك مسلم يتصدق تأخذنا الكلمة فى حيز ضيق وهى تعنى فرد مسلم ما يتصدق، القصد هو أن حسن البنا أراد أن يختزل الإسلام فى جماعته (الإخوان المسلمون)، وفى ذلك دلالة أنه يرى أن كل من خرج عن جماعة المسلمين هو فاسق كافر، وذلك الأمر يذكرنا بالخوارج حينما كفّروا الإمام على ومعاوية، وقالوا إن الفئتين كفار ولا يحكم إلا مؤمن، وبالطبع هم اختزلوا المؤمنين فيهم، وبالتالى هم لهم حق الحكم، وعلى هذا النهج يسرى حسن البنا والجماعات السلفية والجماعة الإسلامية وغيرهم، الكل يطمع فى السلطة يلهث عليها، علاقتهم بالدين أنه مجرد بطاقة لصرف مطامعهم، يحاولون استنساخ ماض انتهى.
فى هذه الأيام تمر مائة عام تفصل بين خروج آخر جندى من قوات الدولة العثمانية من سوريا وعودة الأتراك لاحتلالها من جديد، ففى ١٩١٨ سقطت دولة الخلافة وتحررت سوريا من سطوة الباب العالى بعد ٤٠٠ عام، وفى ٢٠١٨ عادت القوات التركية من جديد باحتلال «عفرين السورية» فى تحد صارخ للسيادة العربية، وبين هذين التاريخين شهدت الحدود السورية التركية محاولات عدة من قبل أنقرة للاعتداء على دمشق ونظامها بحجج واهية، وخلال الـ٦ عقود الماضية كانت مصر هى حائط الصد الذى يُردع الأتراك وأطماعهم فى بلاد العرب، وفيما يلى ملخص سريع للعلاقة السورية التركية على مدار المائة عام الماضية:
* انسحبت القوات التركية من سوريا عام ١٩١٨، وسقطت الدولة العثمانية بعد ٤٠٠ عام من الخلافة.
* عادت التهديدات التركية لسوريا بعد عودة الإسلام السياسى لحكم أنقرة فى ١٩٥٠.
* بدأ رئيس الوزراء الإسلامى عدنان مندريس التحرش بدمشق، وفى ١٩٥٧ أمر القوات التركية بالتمركز على الحدود لإسقاط النظام.
* دمشق لجأت إلى القاهرة لحمايتها، فأنزل جمال عبدالناصر قوات الجيش فى اللاذقية لإعلان دعمه لسوريا، وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ تمت الوحدة بين مصر وسوريا لردع العدوان التركى.
* فى ١٩٩٨ عادت تركيا تهدد سوريا بالغزو بذريعة دعمها حزب العمال الكردستانى وإيواء زعيمه عبدالله أوجلان، وتدخلت مصر فى الأزمة فور علم الرئيس الأسبق حسنى مبارك بنية تركيا اجتياح سوريا؛ حيث نجحت مصر فى صياغة «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق، وقال مبارك: «نحن فرملنا انزلاق الأوضاع إلى الحرب».
* بعد اندلاع أحداث ٢٠١١ اتخذ الرئيس التركى أردوغان موقفا عدائيا من سوريا وعادت صيغة التهديد من جديد.
* فى ٢٠١٤ سمح البرلمان التركى للجيش بدخول الأراضى السورية والعراقية لضرب الأكراد.
* فبراير ٢٠١٦ قصفت تركيا مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية فى شمال سوريا.
* فى ٢١ يناير ٢٠١٨، أعلنت أنقرة بدء عملية غصن الزيتون فى عفرين حتى احتلتها الشهر الحالى.
من كل ذلك نجد أن عدم تماسك الوطن العربى وانتشار الإرهاب وغياب الجامعة العربية شجع أردوغان على تخطى الخطوط الحمراء وفقط مصر دافعت عن سوريا وأصدرت بيانا شديد اللهجة ضد الاحتلال التركى لمدينة «عفرين»، وما نجم عنها من انتهاكات فى حق المدنيين السوريين، وقد حاولت القاهرة التصدى لعدوانية تركيا ولكن تآمر المجتمع الدولى يزيد المسألة تعقيدا.
ختاما، ما تفعله تركيا ونظامها الإخوانى هو امتداد لما سردناه سابقا من محاولة استغلال وهم الخلافة لتحقيق الأطماع السياسية فى منطقتنا العربية.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.