عاشت مصر طوال ثلاثة أيام هى كل عمر الانتخابات الرئاسية المصرية لعام ٢٠١٨ أجواء ثورة جديدة أطلقها المصريون ضد الإرهاب، ليكملوا ما بدأوه فى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣. لقد قام المصريون بثورتهم الأولى فى ٢٥ يناير ٢٠١١ فسرقتها الجماعة الإرهابية وصادرتها ووصلت من خلالها إلى منصب الرئاسة الرفيع، واستولت على مجلسي الشعب والشورى والمناصب الوزارية فى الحكومة ومناصب المحافظين، وكادت تسيطر على كل مفاصل الدولة المصرية بإعلان دستورى فاجر أعطى الرئيس الإخوانى نفسه من خلاله سلطات إلهية بتحصين قراراته السابقة واللاحقة، متناسيًا الآية القرآنية الكريمة {لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون}، لقد توحد الرئيس المخلوع مرسى مع الدين حتى ظن أنه المتحدث الرسمى عن الله- تعالى عما يصفون- بل إنه قام بإنتاج مشهد قديم يتوحد فيها الحاكم مع مقام الألوهية، مثلما كان هو الحال مع «الفرعون الإله» فى مصر القديمة.
ولم يرضَ المصريون بذلك، رغم أنهم اختاروا الإخوان فى صناديق الاقتراع فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية المشكوك فى نتيجتها ومدى نزاهتها حتى اللحظة، إلا أنهم لم يرضوا بحكم «الفرعون الإله»، ولم يرضوا بحكم المرشد وجماعته، ولم يرضوا بأخونة مصر وسحق هويتها تحت سنابك خيل التتار الجدد، والتهديد بحرق مصر التى حكموها بالحديد والنار لمدة عام كان هو الأسوأ والأسود فى تاريخ مصر المعاصر، فقاموا بثورتهم الثانية فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ليستردوا ما سرقه منهم الإخوان فى ٢٥ يناير ٢٠١١.
وكأن الإخوان كانوا يعلمون بقرب ثورة الشعب المصرى عليهم، فجمعوا لنا الإرهابيين والمتطرفين من كل حدب وصوب وتوفير الملاذ الآمن لهم فى سيناء، ولو فشلت ثورة ٣٠ يونيو- لا قدر الله- لكانت خطوتهم التالية السيطرة على القضاء بفصل آلاف القضاة وتعيين محاميى الإخوان بدلًا منهم، وتشكيل «جيش الإسلام» من أصحاب اللحى وتفكيك الجيش المصرى العريق، وإعادة هيكلة الداخلية بتعيين محمد البلتاجى وزيرًا للداخلية على فرق وتشكيلات من الإرهابيين والمتطرفين وشباب الإخوان، وقد شاهدنا إرهاصات هذه الفرق قبيل ثورة ٣٠ يونيو وهى تمارس عملها بالتوازى مع الشرطة المصرية.
وبدأ الإرهابيون أعمالهم الإرهابية بمجرد ثورة الشعب المصرى عليهم، وبخاصة فى سيناء التى شهدت حروبًا على مدار الساعة والأيام والأسابيع والشهور والسنوات بين القوات المسلحة والشرطة المصرية وقطعان الإرهابيين الذين كانوا يجدون الدعم النقدى واللوجستى من الخارج عبر الأنفاق والبحر والحدود، وكانوا يعوضون ما فقدوا من قتلى من الفارين من تنظيم داعش تحت وطأة الهجمات ضد التنظيم فى سوريا والعراق وليبيا، وكانوا يجدون الدعم الإعلامى من قناة «الجزيرة» العميلة وفضائيات الإخوان التى تبث من تركيا، علاوة على الإعلام الغربى المتعاطف مع الجماعة الإرهابية.
إن ما واجهته الدولة المصرية منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ حتى الآن هى حربٌ شاملة بكل المقاييس، شاركت فيها دول وأجهزة مخابرات وضُخت فيها مليارات الدولارات، وسُطرت لمساندتها آلاف الصفحات من الصحف المغرضة، وبُثت لدعمها عشرات الآلاف من الساعات من برامج الفضائيات، ولذلك كله لم تكن الحرب سهلة أو هينة، بل كانت حربًا صعبة ضحينا فيها بالنفيس والغالى من أبنائنا من قوات الجيش والشرطة، ليصعدوا إلى الله شهداء بعد أن أردوا مئات الإرهابيين قتلى يلطخهم عار رفع السلاح فى وجه الوطن مقابل حفنة من دولارات النفط القطري، عار أن يكونوا عملاءً يقومون بحربٍ بالوكالة ضد الدولة المصرية لإسقاطها لصالح مشروع مشبوه لتقسيم الدول العربية من جديد. وبعد هذه الحرب الضروس التى خاضتها مصر لسنوات، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة إطلاق العملية «سيناء ٢٠١٨» لاستكمال تطهير سيناء وإعلانها خاليةً من الإرهاب، وهو ما سوف نشهده ونحتفل به فى القريب العاجل كما وعدنا الرئيس.
وفى كلِ هذه السنوات كان الشعب المصرى يرقُب ما يحدث، بعد أن أولى الرئيس السيسى ثقته فى دعمه بعد إعلانه خارطة المستقبل فى ٣ يوليو ٢٠١٣، وبعد أن انتخبه رئيسًا للجمهورية عام ٢٠١٤، وتفويضه بمواجهة الإرهاب فى ٢٦ يوليو ٢٠١٤. وأدرك الشعب المصرى العظيم بحضارته وخبراته التى تراكمت عبر آلاف السنين أن الكلمة الأخيرة للشعب فى مواجهة الإرهاب، كما كانت الكلمة الأخيرة فى ثورة ٣٠ يونيو وإزاحة جماعة الإخوان الإرهابية عن الحكم.
وكانت الكلمة الأخيرة للشعب المصرى فى ملف الإرهاب لكى يتم إغلاقه إلى الأبد، هى أن يقوم الشعب المصرى بثورة ثالثة ضد الإرهاب وثأرًا للشهداء من الجيش والشرطة والمصريين، وكانت هذه الثورة فى كل ربوع مصر طوال أيام الانتخابات الثلاثة. إن الثورة الثالثة للمصريين أطلقت الرصاص فى سويداء قلب جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات التابعة لها والتى تأتمر بأمرها، أطلقت الرصاص على من يمول الإرهابيين ويمدهم بالمال والعتاد والسلاح والكوادر المدربة من تنظيم «داعش» بعد هروبها من سوريا والعراق؛ أطلقت الرصاص فى سويداء قلب قطر وتركيا، أطلقت الرصاص فى سويداء قلب الإعلام الإخوانى الذى ظل يبث دعوات مقاطعة الانتخابات ليل نهار، أطلقت الرصاص على الإعلام البريطانى والأمريكى الذى شارك فى التآمر على الدولة المصرية لأغراض صارت معروفة للجميع.
إن وقوف المصريين واصطفافهم أمام اللجان الانتخابية ليس اصطفافًا عاديًا فاترًا رغم عدم وجود منافس حقيقى لأيقونة المصريين عبدالفتاح السيسي، ولكنه اصطفاف حرب، فى معركة أخيرة ضد الإرهاب كان ينتظرها المصريون ويتوقون إليها للقصاص من الإرهاب والإرهابيين. إن مصر بتاريخها وحضارتها وتنوعها وبمسلميها ومسيحييها وبمساجدها وكنائسها وبأزهرها وكاتدرائيتها وجيشها وشرطتها كانت أقوى من الزمان، وقالت كلمتها فى الانتخابات الرئاسية ضد الإرهاب.
إن أصوات المصريين فى صناديق الانتخابات فى كل اللجان على مستوى الجمهورية كانت أقوى من طلقات الرصاص وطائرات الأباتشي، يكفى مشهد أهلنا فى شمال سيناء وهم يصطفون أمام اللجان دون أن يخشوا الإرهابيين الذين يتخفون بين ظهرانيهم، وهو ما يعكس حالة الوهن والتشرذم التى وصل إليها الإرهاب فى معقله، إن حرص المصريين رجالًا ونساءً وأطفالًا وشبابًا وشيوخًا على المشاركة فى رسم بورتريه مبهج لهذه الانتخابات هو تجديد للثقة فى رئيسهم وقائدهم، وفى دعم جهوده لبناء مصر المستقبل، مصر التى تنطلق وترنو ببصرها إلى الأمام دون أن تتلفت لأفعال الصغار من خوارج هذا الزمان الذين لم يفهموا طبيعة الشعب المصرى الذى يتمسك بالحياة ويكره العنف والإرهاب.
إن الشعب المصرى قال كلمته الأخيرة التى دقت المسمار الأخير فى نعش الإرهاب والإرهابيين فى عملية يمكن أن نطلق عليها «مصر ٢٠١٨»، لتتفرغ للبناء والتنمية فى السنوات المقبلة.. قومى يا مصر وشدى الحيل.