الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حمزة البسيوني.. ورائعة يوسف إدريس.. لا وقت للحب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بكل معانى الحزن قرأت نعى الدكتور حمزة محمد البسيونى، ابن مصر البار والأجيال الجديدة لا تعرف قدر هذه القيمة الوطنية ودرجة حرارتها للعمل العام وسجله الجهادى ضد الاحتلال منذ أن كان طالبًا فى الثلاثينيات ولم يعرفوا عمق فكره القومى ولا يعرفون عطاءه المهنى كطبيب يؤمن بهذه الرسالة بروح الشاعر الذى يرى أنها رسالة إنسانية رفيعة، قيم ومعال كثيرة تجسدت فى هذه الشخصية التى كان همها الأول مصر فأعطاها حياته ولم يسأل إطلاقًا عن حصيلة ما تدره عليه مهنته، لكن قناعته فى محصلة جهده بقدر ما استفاد من علمه الغزير خاصة الفقراء والبسطاء.
حمزة البسيونى اسم ظلم صاحبه الطبيب المناضل، ولأول وهلة يتصور السامع أنه هو اللواء حمزة البسيونى أشهر مدير للسجن الحربى صاحب السجل الحافل فى المعتقلات والسجون، لكن صاحبنا له سجل حافل فى النضال الحقيقى والباحث عن إيمان وعقيدة بقضايا الوطن وفدائية ومثالية منقطعة النظير، أستاذًا فى مهنته، ومفكرًا فى عقيدته، راهبًا وناسكا وقديسًا محاميًا للبسطاء فى الميادين والساحات كافة.
الدكتور حمزة البسيونى رائد من رواد التنوير، وقائد فى فنون الثورة والتنوير، وغاضب على كل ما يعرقل مسيرة مصر للأمام ويدفعها للتخلف والتأخر.
أتحدث عن هذا الرمز لأن الجميع لا يعرف أنه العقل المفكر لفلسفة مشروع التأمين الصحى، واستطاع بأسلوبه المنهجى أن يضع الخطوط العريضة لهذا المشروع فى بداياته، حيث أسهم بكل ما أتاح له علمه واجتهاده الفكرى والتسجيلات الوثائقية للاجتماعات التمهيدية للخبراء برئاسة الوزير العظيم الذى لا يتكرر فى وزارة الصحة، وهو الدكتور محمد النبوى المهندس صاحب التاريخ فى العمل النقابى، فقد اختير لهذا المنصب من موقعه كأمين عام نقابة الأطباء واختار الإسكندرية حقل التجارب لهذه الفكرة، نظرًا لوجود محافظ أسطورى، وهو الثائر حمدى عاشور وهو يمثل عبقرية إدارية وتنظيمية لا تتكرر، ينتصر للبسطاء وللقانون ولا يعرف الاستثناءات، وأحدث طفرة فى عروس المتوسط أدخلته التاريخ وهو شخصية خارج نطاق المقارنة، وزادت علاقتى به فى عدة مناسبات وجلسات فكرية تعرفت عليه من صداقات مشتركة وتشرفت بزمالتهم فى عصر الجيل الذهبى لـ«أخبار اليوم».
وحمزة البسيونى من ألمع نجوم هذه الكوكبة، وربما ألصقوه بالشيوعية، لكن الذى يجلس إليه يرى مسيرة رجل يحمل مشعلًا حضاريًا فى كل اتجاه منذ نعومة أظافره، وهذا الجيل ضم إليه من الأطباء المناضلين الدكتور فؤاد محيى الدين والدكتور محمد فؤاد منير والدكتور محمد بلال والدكتور محمود جامع والدكتور يوسف إدريس.
الدكتور حمزة البسيونى من رموز الجيل الرائع فى كل مهنة رغم المعاناة والاعتقال والسجون مثله فى هذا السلوك المحامى العظيم الأستاذ نبيل الهلالي، قديس السياسة ابن الباشا ورئيس الوزراء الذي خصص كل وقته وماله وحياته للفقراء والبسطاء.
والغريب أننى قرأت أسماء الهيئة السياسية المؤقتة لحزب التجمع الذى عقدت اجتماعها فى 10 أبريل 1976مـ لإعلان التأسيس ولم أجد اسم الدكتور حمزة البسيونى ولا اسم الدكتور محمد فؤاد ولا الأستاذ فوزى حمزة المحامى الكبير، لكن أسعدنى أن أقرأ رسالة الدكتور حمزة البسيونى إلى حزب التجمع مؤرخة فى 5 مارس 2016، وبالمناسبة فقد لبى نداء ربه فى مارس.
وقرأت فى رسالته بمناسبة مرور أربعين عامًا على تأسيس حزب التجمع تحت عنوان «صياغة التاريخ»، قال فيها: «نشأ حزب التجمع مشابهًا للفكر الذى ساد الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى والقوى المستنيرة والتقدمية فى الشعب المصرى تلك الحركة التى قادت حركة اليسار فى مصر بكل ما قدمه من نضال فى صفوف الشعب المصرى فى مختلف المجالات وفى مقدمة النضال الوطنى، من أجل التخلص من الاحتلال البريطانى والنضال العمالى والنقابى فى صفوف الطبقة العاملة والنضال فى صفوف الحركة الطلابية الذى تبلور فى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التى قادت نضالًا ضد الاستعمار».
ويضيف الدكتور حمزة البسيونى فى رسالته قائلًا: «لقد تكون حزب التجمع حاملًا هذه الخبرة، وكل ما تحقق من نجاحات فى كل المجالات، وكان على رأس حزب التجمع الزعيم التاريخى خالد محيى الدين أحد المفجرين الأساسيين لثورة 1952مـ الذى سجل فى أثناء عضويته فى مجلس قيادة الثورة مواقف ونضالات من أجل الديمقراطية أدت إلى إبعاده عن المجلس».
وقد نشأ حزب التجمع وهو يحمل تاريخ ونضالات وقدرات كل المناضلين فى سبيل مصر وتقدمها، ولقد كانت صيغة التجمع صيغة عبقرية استطاعت أن تضم غير الاشتراكيين، حيث شملت الكثيرين وعلى رأسهم التيار الديني.
ولقد كان للزعيم خالد محيى الدين الفضل فى صياغة حزب التجمع كحزب قادر على احتواء المناضلين فى كل الاتجاهات السياسية، وأشار فى رسالته إلى أنه قد سادت أخلاقيات وقيم قادرة على احتواء كل المناضلين فى حياة مصر، وبهذا التكوين، وتحت هذه القيادة تقدم وصاغ الحزب تاريخًا جديدًا فى نضال الاشتراكية والوطنية من كل الاتجاهات، وأصبح حزب التجمع منبرًا تقدميًا لنشاط كل الفئات.
أستاذية حمزة البسيونى كمفكر وضحت فى فيلم «لا وقت للحب» الذى كان أحد إبداعات المفكر الرائع الدكتور يوسف إدريس وإحدى روائعه، وهى قصة كفاح حمزة البسيونى الذى عايشه فى المعتقل بتهمة فكرية، ولم يكن من أنصار التستر وراء كلمة الكفاح.. ومن السهل على مثل هذا الرجل كطبيب بارز أن يفكر جيدًا فى تنمية ثروته الشخصية، فقدراته تمكنه أن يصبح أكثر من مليونير إذا اعتنق فكرة الـ«5 عين» وهى عربة، وسيارة، وعيادة، وعزبة، وعمارة.. لكنه اعتنق «5 أعين أخرى» وهى عطف وعلم وعطاء، وعزم وعقيدة.. عطف على الفقراء، وعلم من أجلهم، وعطاء لبلاده فى كل اتجاه وعزم على الاستمرار فى هذه المسيرة وعقيدة صلبة لا تلين.