الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأدب بين نرجسية المبدع وتعالي الناقد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يلاحظ أن هناك اتهاما واضحا ، ومستشريا بين مبدعي هذا العصر ، وبخاصة الشعراء ، على اختلاف اتجاهاتهم ، بجهل النقاد المعاصرين ، وضعف كفاءاتهم ، وعدم قدرتهم على مسايرة الإبداع درسا وتمحيصا ،ولا تخفى تلك الحساسية الشديدة من أساتذة الجامعة ، وبخاصة أولئك المتخصصون في الأدب الحديث والنقد المعاصر ، وهجوم مستمر عليهم ، وأفند لكم حال الأمور بين الفريقين في عدة نقاط ، لايمنعني مانع من المصارحة بها.
بدءا: لقد تخرج في الجامعة بالفعل ، وبخاصة في الفترة الأخيرة جيل من الأساتذة الضعفاء في التخصص ، والذين لايستطيعون إقامة جملة قويمة بينة الأداء واضحة المعنى ، والأعجب أنهم استطاعوا في غفلة من الزمن وفي ظل مستوى تعليمي متدن أن يحصلوا على أربع درجات علمية متتابعة دون عناء يذكر أوتمحيص مبين ، وسط جو مريب من تساهل الأساتذة في منح الدرجة وتقصير المشرفين في الإشراف الحقيقي المدقق.
ثانيا: انساق عدد من أساتذة النقد والأدب وراء آليات نقدية مستوردة أوقعتهم في التعمية الغريبة إثباتا منهم لعمق فهمهم ، أو لواذا من الاتهام بالجهل والتقصير.
ثالثا : انبتت علاقة معظم المتخصصين بتراثنا النقدي ففاتهم فهم الركائز النقدية الأصيلة التي كان يجب عليهم الإلمام بها.
رابعا : لم يجرؤ معظمهم على الوقوف أمام الإبداع الممسوخ الذي ابتلينا به في عصرنا الحديث مما جعل الأدباء ، إن صدق على بعضهم ذلك الوصف ، يظنون أنهم أصبحوا على درجة عليا من الإبداع في حين أنهم يسجلون سخفا حقيقيا غير مسبوق.
خامسا:لم يعكف معظم الأساتذة على قراءة كل جديد ، ومطالعة كل مستحدث وتبصر مابه من تيمات أداء مبتكرة .
سادسا :صمت معظمهم صمتا مريبا عن استخفاف بعض المدعين باللغة الفصحى وتركوا لهم مجال الوقوع في الازدواج اللغوي ، وهذا خطأ جليل .
سابعا : فتحوا باب المجاملة على مصراعيه ، فقدموا أنصاف الموهوبين ، وأبرزوا سخفهم على أنه إبداع حقيقي ، وبخاصة إذا تعلق الأمر بإحدى أديبات الدرجة الثانية ، أو أحد أولئك المشرفين على هيئة أو مؤسسة ذائعة الصيت، وقطعي أن كل مايكتبون بعيد البعد كله عن الأدب الراقي.
...... ولشد ما يحزنني أن أجد أستاذا متخصصا يلحن في اللغة ، أو يزيف في الواقع ، أو يثني على عمل ضعيف ،أو أن يقدم لعمل ناقص ظاهر الضعف بكلام فخم وعبارات مجاملة ،جوفاء بعيدة البعد كله عن النقد المنصف أو النظر الدقيق ،أو أن يقول في العمل ماليس فيه ، أو يمارس نوعا من التدليس في نقده أو الاحتيال لواذا من اتهامه بعدم المعرفة ، وكثيرا ما طالعت نقدا لم أفهمه عن أعمال لا أستسيغها فقطعت بيقين ثابت بتفاهة النص وكذب النقد ، وبين الأمرين ضاع الأدب الحقيقي وتوارى المبدع المتميز.

أما المبدعون ..فما أقلهم !!...هذا بدءا ، فالمبدعون الحقيقيون ذوو الحق الأصيل في الخلود قليلون جدا بحيث يمكن حصرهم على مستوى وطننا العربي كله في دقائق معدودات.
ثانيا : يعاني معظم الأدباء ، أو من يظنون أنهم أدباء ، من النرجسية الشديدة ويظن أحدهم أنه فرد زمانه وأنه يأتي بمالم تستطعه الأوائل ولا الأواخر ،وأقول لمثل ذلك : إن ماتقول كله لاقيمة له ، ولا يكاد يكافيء ثمن الورق الذي دون عليه أو المداد الذي كتب به.
ثالثا : يلجأ معظم هؤلاء إلى التعمية والإغراب ، وليس ذلك إظهارا للاقتدار الفني بقدر ماهو إظهار لضعف الموهبة ، ونضوب الخيال ، وضعف المستوى .
رابعا : لا يحترم معظم هؤلاء موهبته فلا يتعهدها بالرعاية ، ولا يرفدها بديمومة المطالعة ، والعكوف على القراءة والفهم .
خامسا : يحاول معظمهم أن يأخذ من كل باب بطرف فتجد الكاتب نفسه وقد كتب القصة و المسرحية والشعر بأنواعه فصيحا وعاميا ، عموديا وحرا ، بل إنه ليتعدى ذلك حينا إلى ما يسمى بقصيدة النثر التي أصبحت مجال من لا مجال له ، وملجأ من لاحيلة له ، فلا هو يعرف منشأها ، ولا أصول الكتابة عليها ، ولا تواؤمها مع واقعنا من عدمه ، وبين هذا كله ضاع الإبداع الحقيقي وتوارى المبدعون الجادون.
سادسا: اعتبار معظمهم أن طبع أى عمل إنما هو نهاية المطاف وأنه بطبعه عمله أصبح وشوقي على درجة سواء، أو أنه بز محفوظا أو تفوق على يوسف إدريس ، ولا يعتقد أنه قديكون بطباعة عمله عجل بكتابة شهادة وفاته .
سابعا: عدم احترام معظمهم مايكتبه غيره ، بل استهزاؤه الظاهر بإبداع غيره ، وكأن ساحة الأدب خلت إلا منه، بل إن الأمر تجاوز الحد لدرجة أن تحول معظمهم إلى نقاد جدد ومارسوا النقد الانطباعي المعتمد على البنى المحفوظة والعبارات سابقة التجهيز ،دون وعي بأصول النقد الحقيقي القائم على الفهم والمعمتد على أصول النقد المحترم ،
وللفريقين أقول : صدقوني لقد أضعتم الأدب والنقد كليهما ، فلا عاد معظم أدبكم أدبا ، ولا عاد نقدكم نقدا، وللجادين من الفريقين أقول : ظلوا على ما أنتم عليه فإن لكم الخلود مبدعين ونقادا ،وللمتعالين من النقاد أقول : إن للإبداع عليكم حقا ، وإن للمبدعين المحترمين حقا فلا تهيضوا حقهم بتعاليكم ، فلستم أصحاب فضل عليهم في موهبة منحهم الله إياها،، وللنرجسيين من الأدباء أقول : لستم أصحاب من على أساتذة الجامعة بالدرجة التي حصلوا عليها ، وليس لكم الحق في حقدكم على ماخولهم له الله، فاحترموا قدرهم ، وأنزلوا المتمكنين منهم منازلهم اللائقة بهم ، فإن بمعظم ماتكتبون عوارا ظاهرا .