الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا خير إن لم نقلها.. ولم تسمعها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتظرنا بشغف حوار الرئيس مع المخرجة ساندرا نشأت، والذى حمل عنوان «شعب ورئيس».. وخاصة بعد أن شعرنا من خلال التنويهات والدعاية التى سبقته أننا أمام حوار مختلف.. وزاد التشويق باختيار المحاورة وكونها ليست من الوجوه التى ملتها الناس، رغم أن عدم تخصصها أثار تحفظات أو غيرة بعض الإعلاميين الذين تم استبعادهم من هذه المهمة!!.. ولكن كانت أصداء الحوار بشكل عام رائعة، وتأكدنا بالفعل أنه حوار متميز، فقد اهتم بتسليط الضوء على بعض الجوانب الإنسانية فى حياة الرئيس، وخلق نوعًا من الألفة والحميمية التى شعرناها، بسبب بساطة المحاورة شكلا وموضوعًا، وإسلوبها السلس الذى يبدو عفويًا بلا تكلف، كذلك جاءت أيضا ردود الرئيس بنفس الشكل الذى يقربه من قلوب المشاهدين.
وكان من أجمل ما تضمنه الحوار، اللقطات السريعة التى عرضتها ساندرا لآراء الناس فى الشارع، والتى عكست أغلب وجهات النظر التى تدور داخل المجتمع، والتى نسمعها فى مجالسنا اليومية، فعبرت بصدق عما يجول فى خاطر أغلب فئات الشعب، بتوجهاتهم وقناعاتهم المختلفة، وكان سقف الحرية أكبر مما توقعناه أو شاهدناه فى كافة الحوارات السابقة، وهو ما يعد من أكثر عوامل القوة فى نجاح هذا الحوار، فمن ناحية يثبت أن حرية الرأى أيًا كان مكفولة للجميع، ومن ناحية أخرى يشعر الناس بأن هناك من تحدث بصوتهم وأوصله لأكبر رأس فى الدولة، وبالتالى يكون قد قام بالتنفيس عنهم.. وإن كنت تمنيت أن تزيد مدة الحوار، لنستمع لرأى الرئيس ورده على كل الأسئلة والآراء التى طرحها الجمهور، وهو بالتأكيد ما كان سيزيد الحوار ثراءًا ومتعة.. أما ما استوقفنى من تبعيات الحوار، فقد كان رد فعل بعض ممن ينسبون أنفسهم للدولة ومؤسساتها على صفحات الفيسبوك، ويدعون أنهم يساندونها ويدافعون عنها، فهم لم يقبلوا أن تظهر بعض الأصوات المعارضة فى التقرير الخارجى الذى تضمن بعض الآراء فى الشارع، فاستهدفوا هؤلاء الأشخاص واستهزأوا بآرائهم وأشكالهم!! رغم أن الرئيس نفسه استمع لتلك الآراء باحترام دون أن يستهين أو يستهزئ بأحد، بل على العكس أكد مرة أخرى على احترامه لحق كل مواطن فى أن يعبر عن رأيه كيفما شاء، طالما بعيدا عن العنف، فهل من اللياقة أن تؤمنهم المحاورة ليقولوا ما يروه ويوجهوا ما شاءوا للرئيس؟!.. ثم يؤمنهم الرئيس نفسه!!.. ليفاجأوا بعدها بأن البعض على الفيسبوك استحل التشهير بهم والخوض فى سيرتهم بالسخرية والتشهير والسب والقذف!!.
وهل يمكن أن ينهض مجتمعنا ونحن نتبع مع بعضنا البعض هذا السلوك المنفر، الذى يعكس الحالة المتردية التى وصلنا إليها فى احترام حق الآخر فى التعبير عن رأيه.. فاحترام الرأى لا يكون لمن يؤيدك، ولكن لمن يخالفك ويعارضك.. وإن كنا وصلنا إلى هذا القدر من الصلف والغرور والظن باحتكار الصواب، فعلينا أن نتوقف مع أنفسنا حتى نتدارك السقوط فى هذا المنحنى واستمرار التردي.. فليس عيبا أن يعبر كل فرد عن رأيه حتى وإن كان خطأ، ومن واجب الدولة ومسئوليها توضيح الحقائق والإقناع بالحجج والبراهين، دون الاستهانة بتلك الآراء، أو محاولة التهوين أو التخوين لأصحابها.. وكل العيب أن نقمع الرأى الآخر، ويجعل البعض من ألسنتهم سوطًا مسلطًا على كل من يحاول التعبير عن رأى مخالف.. فكما وصف الله تعالى رسوله الكريم فى سورة آل عمران: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك».. لذلك علينا أن نتعلم آداب الاختلاف دون تجريح وتطاول، ودون الاعتقاد بامتلاك الحقيقة.. فإذا أردنا لبلدنا النهوض حقًا فعلينا أن نعلو بسلوكنا ونترفع عن تلك الأساليب المقيتة، وندرك أن هذا من علامات تخلف الأمم.. فكلما تقدم المجتمع زاد التسامح مع الرأى الآخر وقبوله.

نعم مصر تحارب، ونحن فى وضع لا نحسد عليه، ولكن ليس معنى ذلك أن تُخرس الألسنة، بل بالعكس كل يحارب فى ميدانه، القوات المسلحة والشرطة فى ميدان المعركة، وكل منا فى اختصاصه، فالشائعات أو الآراء الخاطئة لا تواجه بالسب والمنع وقطع الألسنة، بل تحارب بالحقائق والمعلومات الصحيحة، وما أكثر العاملين الذين يثقلون كاهل كافة أجهزة الدولة برواتبهم، ما بين مكاتب إعلامية ومتحدثين ومستشارين.. هؤلاء أيضًا لهم دور فى المعركة، والتى هى حرب عقول أولا.. فليقوموا بدورهم وليردوا على كافة الآراء أو الشائعات.. وعليهم أيضا أن يستمعوا إلى الآراء الجادة التى تحتمل الصواب، وينقلونها لأصحاب القرار، حتى يتم تصويب أى خطأ قد تقع فيه أى من أجهزة الدولة.. ولنتذكر قول سيدنا عمر بن الخطاب عن كلمة الحق: «لا خير فيكم إن لم تقولوها.. ولا خير فينا إن لم نسمعها».. وقوله كذلك: «لا تقولوا الرأى الذى تظنونه يوافق هواي.. قولوا الرأى الذى تحسبونه يوافق الحق».