كان اليوم هو يومي الأخير فى كورس اللغة الفرنسية بمدرسة «Alliance Francais» للغات العريقة بباريس، درست فى هذا الكورس بصحبة عشرة طلاب من جنسيات مختلفة، وامتدت الدراسة لمدة شهرين، تقاسمنا فيها أيامنا بكل الود والحب والاحترام.
كنت عندما أتأخر عن موعد الكورس يرسلون لى رسالة، مفادها بأن الدرس لم يكن ممتعًا، وأنهم يفتقدوننى كثيرا، ويفتقدون أكثر إلى روح الدعابة لديّ.
قدمت، بهذه المناسبة، بعض الهدايا التذكارية التى تعبر عن تاريخ بلادى، إلى عدد من زملائى المقربين داخل الكورس، وقبلوها بكل الحب والسعادة والتعبير عن الامتنان الشديد.
لكن حدث معي موقف أردت أن أشكر عائلتي عليه كثيرا، فقد فاجأتني صديقة أمريكية بهدية قالت لي، إنها بمناسبة مغادرتها إلى بلادها، وإنها ربما لن تراني مجددا، وأضافت كلامًا كثيرا حول تأثيري البالغ عليها، وكيف أنها أحبتني كثيرا؛ كانت هديتها عبارة عن زجاجة نبيذ فرنسي فاخر، كما أوضحت لي، بالطبع فرحت من كلماتها الرقيقة، ولكننى قلت لها: إننى آسفة لا أستطيع أن أقبل هديتك، فأنا لا أشرب النبيذ.
قالت: ظننت أنك ستحبينه، فهل تشربين أنواعا أخرى، قلت لها: أنا لا أشرب مطلقا، قالت لماذا؟ هل لي أن أعرف السبب؟ قلت لها: لأنني مسلمة.
اعتذرت لي بشدة، وقالت: الغريب أنني لم أعرف هذا طوال زمالتنا التى امتدت لشهرين متواصلين، صادقتني شهرين متتاليين، ولم تعرف ديني، تكلمنا فى كل شيء، الثقافة، والفن، والحضارة، والسياسة، والحياة، ولم تعرف ديني فقط، عرفت شخصيتي وأخلاقي، أحببتها وأحبتني، ولم أُكِنّ لها سوى الاحترام، ومن هنا أتوجه لأبي وأمي بالشكر والعرفان.
شكرًا لأنكما جعلتماني إنسانة، لا أنظر سوى للإنسان، بغض النظر عن اللون، أو الدين، أو اللغة، أو حتى وجهة النظر السياسية. جعلتماني أحظى بكثير من الأصدقاء حول العالم بفضلكما، بفضل أنني تربيتُ تربية سويَّة، أستطيع من خلالها احترام الآخر، وعلى كل حال جينا الأمريكية كان لديها هدية أخرى لي ربما كانت الأفضل والأعمق وهى الصداقة الأبدية والحقيقية.