الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الخلافة الإسلامية حقائق وأوهام "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق توقفنا عند الفتنة الفكرية والفلسفية التى ابتدعها الخليفة المأمون بن هارون الرشيد والتى تسببت فى انقسام جديد بين المسلمين وبعضهم البعض وهى الفتنة المعروفة بخلق القرآن، فقد انتصر المأمون لرأى المعتزلة وهو أن القرآن قد خلقه الله تعالى وذلك لقوله «إنا جعلناه قرآنا عربيا» وجعلناه تعنى خلقناه، فلما رفض العلماء ذلك حبسهم وجلدهم وكان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل الذى تمسك برأيه وهو أن القرآن هو كلام الله وليس مخلوقا لأن كل مخلوق يموت، وراح المأمون يكفر من لا يوافقه الرأى وكتب لنوابه على الأقاليم المختلفة رسالة طويلة يشرح فيها رأيه وقد وصف فيها العلماء الذين خالفوه الرأى فقال عنهم: «هم شر الأمة، المنقوصون من التوحيد، أوعية الجهالة، وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق» وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد قال عنه الخليفة المأمون بالحرف الواحد: «لقد استدل أمير المؤمنين على جهله» وطالب الناس بعدم الأخذ بفقهه لأنه مرق عن السلطان وخرج على البيعة، وقد عذب الإمام أحمد كثيرا وأودع فى السجن كى يتراجع عما قاله لكنه أبى واستعصم وثبت على رأيه، وأرسل المأمون أوامره لقادة الشرطة بإجبار عامة الناس على القول بخلق القرآن وإلا فإنهم يطردون من وظائفهم ويضربون للاستتابة، فكان الناس يعلنون إيمانهم بما قاله المأمون خوفا على أرزاقهم، وهكذا استمرت الفتنة حتى مرض المأمون مرضا اشتد عليه فجأة، فدعا كاتبه محمد بن داود للدخول عليه وطلب منه أن يكتب له وصيته التى سيمليها عليه، والتى جاء فيها أن الخليفة من بعدى هو العباس بن المأمون وقد أوهمه الكاتب بأنه قد فعل ذلك فى حين أنه كتب أن الخلافة تئول للمعتصم حال وفاة المأمون، وذلك لأن الكاتب كان يرى أن العباس لم يزل صغيرا وغير قادر على تولى منصب الخلافة بينما المعتصم هو الأحق والأفضل لرجاحة عقله وقوة شخصيته وخبرته، وبعد أيام مات المأمون وبويع المعتصم وسط دهشة العباس الذى كان يظن أن والده قد أوصى له، وراحت أرملة المأمون تصرخ فى أنحاء القصر العباسى: إنها مؤامرة تحاك لابنى، ما اتفقت مع أمير المؤمنين على هذا، لقد أقسم لى بأنه قد أوصى للعباس وبأنه قد عزل المعتصم عن ولاية العهد، بينما أقسم الكاتب محمد بن داود أنه قد كتب ما أملاه عليه المأمون من غير زيادة أو نقصان، وتم الأخذ بالوصية وأصبح المعتصم خليفة للمسلمين، والمعتصم هو ابن هارون الرشيد من جارية تدعى ماردة وهو بلا شك من أعظم وأقوى خلفاء الدولة العباسية لولا أنه استمر فى فتنة خلق القرآن وعذب العلماء وسجنهم، ففى عهده استمر حبس وضرب وتعذيب الإمام أحمد بن حنبل وغيره من العلماء، وكان المعتصم ديكتاتورا، يعتد برأيه، سريع الغضب، وقد صرف معظم وقته فى محاولة توريث الحكم لابنه الواثق بالله رغم رفض الناس له وذلك لأنه ابن جارية رومية اسمها قراطيس كانت تميل لأهلها، وأتت بهم إلى بغداد وعينتهم فى وظائف مهمة بالدولة، وتم دفع الرشاوى لاستمالة الناس نحو الواثق، وأخيرا نجح المعتصم فى خطته ووافق الناس والأمراء على مبايعة الواثق خليفة من بعد المعتصم وذلك فى حياة ووجود المعتصم، الذى ما لبث أن مات ليتولى من بعده الواثق بالله أمور الخلافة، ولتدخل من بعده الأمة فى منعطف خطير تمثل فى سلسلة اغتيالات لا تنتهى للخلفاء، فعن من أتحدث؟ عن الخليفة المتوكل الذى أراد أن يكون ابنه الأصغر «المعتز» وليا للعهد بدلا من ابنه الأكبر «المنتصر» فقرر الأخير قتل أبيه ليتولى هو الخلافة، فدخل على أبيه وقتله هو وصديقه الفتح بن خاقان ثم ادعى أن الفتح قد قتل المتوكل أمامه فاستشاط غضبا وثأر لأبيه فى الحال وقتل الفتح، وهكذا انتقلت الخلافة إلى المنتصر الذى سرعان ما مات مسموما بعد ستة أشهر فقط من توليه الحكم، وبينما هو يتألم من أثر السم الذى دسه إليه شقيقه راح يهذى ويعترف ويقول: «قتلت أبى فما دام لى الحكم أكثر من ستة أشهر» وقد بويع بعده المستعين بالله بن المعتصم فرفض ذلك المعتز بن المتوكل وبعض آل العباس الذين حاربوه طوال أربع سنوات، فدخلت الدولة الإسلامية فى حرب أهلية انتهت بخلع المستعين بالله لنفسه مضطرا بعد هزيمته على يد ابن أخيه «المعتز بن المتوكل» ولكن المعتز لم يكتف بهذا التنازل بل قرر ذبحه والتمثيل بجثمانه، لتنتقل إليه الخلافة، وفى حفل بهيج تم تتويج المعتز بتاج من ذهب خالص ولم يكن الخلفاء من قبله قد فعلوا ذلك، كما وضع سرجا من ذهب على جواده، وكان مسرفا حتى أنفق ما فى الخزانة على نفسه فأثار ذلك غضب الأمراء من بنى العباس الذين منعهم المال فاتفقوا فيما بينهم على مبايعة المهتدى بالله والذى خرج بجيش كبير على المعتز ونجح فى القبض عليه وإجباره على التنازل له عن الخلافة ثم قام بحبسه ومنع عنه الماء حتى مات عطشا، وكان المهتدى حازما، مخيفا، وقد بدأ فى تقليص دور الأتراك الذى كثر وعظم ابتداء من وجود المتوكل فى الخلافة وانتهاء بالمعتز وقد بدأ هذا الدور التركى بإمرأة أتت بأهلها بعدما تزوجها الخليفة فمكنت أهلها من الوظائف القيادية وحين قرر المهتدى أن يقلص هذا النفوذ التركى قرروا قتله، لتستمر بحار الدماء بين المسلمين وبعضهم البعض طمعا فى الخلافة التى تتمنى كل التيارات الأصولية عودتها مرة أخرى.. وللحديث بقية.