الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المواجهة القانونية للإرهاب "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإرهاب لا يفقه للأديان مقصدًا.. ولا يعرف للإنسانية معنى.. نزع اللـه من عينه النور.. ومن قلبه البصيرة.. فراح يحصد أرواح الأبرياء.. فلعنة الله على متطرفى الأديان فى كل زمان ومكان.
بدأتُ حديثى فى المقال السابق مؤرِّخًا ومؤصِّلًا لجذور المواجهة القانونية للإرهاب، وتناولتُ- باختصار- كيف كانت المواجهة على عهد الفراعنة واليونانيين والرومان، وبيَّنتُ النصوص التشريعية التى جاءت فى الكتاب المقدس والقرآن الكريم مؤصِّلة لتك المواجهة، وفى هذا المقال سوف أتناول المواجهة فى العصور الوسطى وحتى بدايات العصر الحديث.
ولكن قبل ذلك أود أن أشير إلى أن أول منظمة إرهابية فى تاريخ البشـرية قد ظهرت فى نهاية القرن الأول الميلادي، وكان يطلق عليها منظمة «السيكارى»، وقد تشكَّلت على يد بعض المتطرفين اليهود الذين وفدوا إلى دولة فلسطين فى ذلك الزمان لإعادة بناء الهيكل المزعوم، الذى أطلقوا عليه اسم «المعبد الثاني»، وذلك بعد أن قاموا بحملة متواصلة من الحرق والتخريب والتدمير من أجل تحقيق هدفهم.
المواجهة القانونية للإرهاب فى العصور الوسطى وحتى بدايات العصر الحديث:
١ـ تأثر الإرهاب فى العصور الوسطى بالطابع الإقطاعى والديني؛ حيث استخدم النبلاء فى أوروبا فى العصور الوسطى عصابات الإرهاب للإخلال بالأمن ضد خصومهم من النبلاء المنافسين لهم؛ حيث كانوا يعيثون فسادًا فى الإقطاعيات التى يمتلكها النبلاء المنافسون.
٢ـ كما كان العبيد يغزون إقطاعيات أسيادهم، ويشكلون عصابات للانتقام والقتل والسرقة وإشاعة الفوضى فى أراضى الأسياد؛ نتيجة الحرمان الذى عاشوه والظلم الذى عانوه.
٣ـ كما كانت هناك مجموعات من القراصنة يهددون الملاحة البحرية، وقد استخدمتهم الإمبراطوريات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية ضد بعضهم بعضًا فى حرب غير معلنة فى البحار، وهذا الأمر يشبه الإرهاب الدولى فى العصر الحديث.
٤ـ ولهذا فقد اتسمت القوانين المعمول بها فى تلك العصور فى الدول الأوروبية بالوحشية والقسوة، من ذلك أن أحد القوانين الألمانية السائدة فى ذلك العصر كان ينص على أن من يُزيل لِـحَاء إحدى أشجار الصفصاف التى يستند إليها أحد الجسور، يُشَق بطنه وتُنزَع أمعاؤه، وتُلَف حول القطع الذى أحدثه.
٥ـ كما أن قانونًا آخر عُمِل به حتى عام ١٤٥٤م، يقضى بأن من يرتكب جريمة إزالة أحد معالم حدود أرض جاره يُدَفن فى الأرض إلى ما دون رأسه (أى لا يظهر منه إلا رأسه)، ثم تسلط عليه ثيران ورجال لم يسبق لهم أن حرثوا أرضًا فيحرثون رأسه، وإن استطاع أن ينقذ نفسه فله ذلك.
٦ـ ويلاحظ أن القرون الوسطى قد سجلت أبشع صنوف البطش والعنف متمثِّلة فى محاكم التفتيش التى نصبها البابوات للانتقام من كل من لا يدين بالولاء للكنيسة البابوية. 
٧- ومع بدايات العصر الحديث ظهر الإرهاب إلى حيِّز الوجود أثناء الثورة الفرنسية حين تبنَّى بعض الثوريين الذين استولوا على فرنسا سياسة العنف ضد أعدائهم، وقد عُرِفَت فترة حكمهم باسم «عهد الإرهاب».
٨- وفى نهايات القرن الثامن عشر بدأت فى الظهور الحركات الإرهابية المنظمة؛ حيث ظهرت جماعات مثل «كو كلوكس كلان»، وهى جماعة أمريكية استخدمت العنف لإرهاب المواطنين السود والمتعاطفين معهم.
٩- فى ستينيات القرن الماضى ظهرت جماعة «الألوية الحمراء» فى إيطاليا، وجماعة «زمرة الجيش الأحمر» فى ألمانيا، وهما جماعتان كانتا تهدفان إلى تخريب الأنظمة السياسية والاقتصادية فى بلادهما.
من كل ما سبق يتضح أن المواجهة القانونية للإرهاب فى العصور القديمة والوسطى، كانت على هيئة تشريعات متناثرة هنا وهناك، تتناسب مع مفهوم الجريمة الإرهابية فى هذه العصور، كما كانت أيضًا تتناسب مع الطبيعة البسيطة لتلك المجتمعات، وفى المقال القادم سوف أتناول المواجهة الدولية للإرهاب فى العصر الحديث.