لم يُترك العراق وشأنه منذ اندلاع حرب الخليج الثانية في أوائل
تسعينيات القرن الماضي، والتي غزا خلالها جيش الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين
الكويت وأشعل النار في آبار النفط، ففرضت العقوبات وشدد الحصار الخانق الذي أدى
إلى تدهور أحوال الشعب العراقي، ومقتل ما يقرب من مليون طفل، وبقى الحال كما هو
عليه حتى تسنم بوش الابن سُدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2001،
والذي كان عازمًا على غزو العراق، الذي بدأ في مثل هذا اليوم العشرين من مارس من
عام 2003.
العراق في مرمى نيران بوش وإدارته
كانت الإدارة الأمريكية تتمتع بمناعة ضد أي شعور بالإحراج أو الندم،
ويبدو أن القيم الأمريكية المزعومة غرقت في رحلة هجرة غير شرعية إلى اللا شيء،
وكانت العراق الهم الأول لجورج بوش الابن منذ ولوجه إلى أروقة البيت الأبيض، ويقول
آل جور المرشح الأمريكي الأسبق في الانتخابات الرئاسية، في كتابه الهجوم على العقل
«لقد أخبرنا الرئيس «يقصد الرئيس جورج بوش الابن» أن الحرب هي خياره الأخير، لكن
الواضح الآن أنها دومًا كانت خياره الأول فقد أكد وزير خزانته السابق، بول أونيل،
أن العراق كانت «تتصدر» موضوعات أول اجتماعات لبوش بمجلس الأمن القومي بعد 10 أيام فقط من توليه السلطة، وكان الأمر هو إيجاد طريقة لتحقيق ذلك».
وهذا ما يفسر ما ورد بتقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر، بأن «في بضع
ساعات من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان الوزير رامسفيلد «وزير الدفاع
الأمريكي الأسبق» منشغلًا بمحاولة إيجاد صلة بين صدام حسين والهجمات، ولدينا شهادة
تحت القسم لريتشارد كلاك، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس بوش، يذكر
فيها أنه في اليوم الثاني للهجمات، يوم الثاني عشر من سبتمبر، كان الرئيس يريد
الربط بين الهجمات وصدام حسين».
ويواصل السياسي الأمريكي سرده لمقدمات غزو العراق قائلًا «كان التعليل الأول المقدم للحرب هو تدمير أسلحة الدمار الشامل في العراق، واختير هذا السبب بدهاء بعدما أظهر التحليل الدقيق للرأي العام الأمريكي، أن هذا أشد المقولات تأثيرًا في إقناع الناخبين بتأييد غزو العراق».
خطاب سيئ السمعة لكولن باول
وفي خطابه أمام الأمم المتحدة في الخامس من فبراير 2003 حاول كولن باول وزير الخارجية الأسبق بإدارة بوش الابن، على إيجاد خيطًا يربط بين تنظيم القاعدة المتهم الرئيسي في هجمات 11 سبتمبر وبين نظام صدام حسين، بالإضافة إلى إثبات أن الأخير يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ولكن خطابه الذي وصفه فيما بعد بـ«سيئ السمعة» كان يتكئ على أكاذيب ضغط ديك تشيني نائب بوش لتضمينها وللحشد ضد العراق، وتحدث «باول» في كتابه «دروس في القيادة والحياة» عن ذلك الخطاب قائلًا «5 فبراير 2003 هو يوم محفور في ذاكرتي بحروف من نار مثل يوم ميلادي تمامًا، وسيكون هو هذا الحدث بعد وفاتي هو الفقرة الأبرز من فقرات نعيي في الصحف».
نتائج الغزو
بعد عام من الغزو الأمريكي للعراق أجري بحثًا ميدانيًا مشتركًا بين الجامعة المستنصرية ببغداد والمركز الدولي لطوارئ النكبات ودراسات اللاجئين في جامعة جون هوبكنز توصل إلى أن 100 ألف عراقي ماتوا، جراء أعمال عنف ومن آثار العمليات العسكرية للقوات الغازية، وبعد عامين أجرى نفس الفريق بحثًا أخر وكانت نتائجه كارثية، حيث كشف عن وفاة 654.965 عراقيًا، أما عن اللاجئين فحدث ولا حرج، حيث يصف المندوب السامي للاجئين آنذاك أنطونيو جوتيرش «الأمين العام الحالي للأمم المتحدة» هروب العراقيين من بلادهم بأنه الأكبر في نزوح الأشخاص من المنطقة منذ نكبة فلسطين عام 1948، بالإضافة إلى سرقة ما يقرب من 170 ألف قطعة أثرية من المتحف الوطني العراقي.
لا وجود لأسلحة الدمار الشامل
بعد سقوط بغداد في التاسع من إبريل 2003 أرسل بوش الإبن فريقًا للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل برئاسة ديفيد كي، وأعدت تلك اللجنة تقريرًا توصل إلى أنه «لم يتم العثور إلى الآن على أي أثر لأسلحة الدمار الشامل، وبتصوري نحن جعلنا الوضع في العراق أخطر مما كان عليه قبل الحرب».
وفي الثاني من أغسطس من عام 2004 قال بوش الابن «حتى لو كنت أعرف قبل الحرب ما أعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق فإني كنت سأقوم بدخول العراق».
بلير وجوابًا ناقصًا
فيما حاول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وحليف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إبان غزو العراق 2003 التهرب من الإجابة على السؤال الأصعب بالنسبة له، حيث يذكر في مذكراته «مسيرة رئيس وزراء» حينما تم سؤاله عن غزو العراق «شعرتُ بالقلق الشديد الذي هو مزيج من الغضب والحزن، وأن أفكر في كيفية الإجابة عن السؤال الذي وجهته إلى لجنة تحقيق شيلكوت الخاصة بحرب العراق في شهر يناير 2010، وكان على النحو التالي: «هل تنتابك مشاعر الندم؟» لم يكن ذلك سؤالًا يمكن أن يطرح على المرء، أو أن يجيب عنه بمجرد تأمل روحي هادئ».
ويضيف «بلير»، عن محاولته البحث عن إجابة للسؤال لا تدينه فيقول «أعرف النتيجة إذا كانت إجابتي «نعم»: «بلير يعتذر عن الحرب»، «أخيرًا قال إنه آسف»، تعينك على اختيار جواب بديل، أما إذا قلت «لا» فإنني سأبدو كإنسان قاسي القلب لا يكترث لمعاناة الآخرين، قلت لك الأسباب كلها أنني أتحمل المسؤولية، كان ذلك جوابًا ناقصًا».