تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
احتفالًا بعيد الأم (٢١ مارس) وعطفًا على المقال السابق انشغالًا بالأمهات الأصل والمبتدأ المدرسة الأولى والأقرب حنوًا وعاطفة إلى الأبناء، ففى كل بيت يصدحُ نداء ماما، أمى أول حروف ننطق بها محبة وطلبًا وملجأ، وهى المُستجيبة التى لا تكل ولا تمل أطفالًا كنا أم كبارًا. وكانت حملة «مُلهمتي» لمنظمة منبر المرأة الليبية للسلام ما حركت ناشطين وناشطات من الجنسين، حققوا حضورًا بارزًا فى أكثر من موقع مؤسسة حكومية أو مدنية، قاموا جميعًا باستعادة ذاكرتهم والإجابة عن سؤال: قل من مُلهمتك من نساء ليبيا.. وماذا تُمثل لك؟
ما حضر عندى ودون تعب تفكير ولا جهد استعادة حين وصلنى سؤال المنظمة، أنها عندى «ماما خديجة»، كانت ملهمتى ولعل نساء قبلى كجيل قاربنها مثلت عندهن إنارة درب أول الطريق لبناء دولة ليبيا، ماما خديجة هكذا عرفها الليبيون والليبيات صوتها عبر الراديو دخل كل بيت، ابنة «بنغازي» شقت طريقها ناحتة صخر ظروفها الصعبة، فى الحرب العالمية الثانية هجت مع من هجوا إلى خيم فى خلاء «القوارشة»، ورغم أزيز الطائرات ووابل الغارات كانت الممرضة المسعفة ومرتقة الملابس من قماشة المظلات! ومعلمة محو الأمية، فالأم مريضة والأب غائب فى سفر لمصر، وحدتها جعلت المبادرة وفعل الإرادة اعتمادًا على نفسها صانعة المستحيل، هى المناضلة خديجة الجهمى ابنة عامل المطبعة من ستلحق بوالدها بمصر، وتحصل على شهادة من جامعة عابدين الليلية تعادل شهادة الثقافة، وتدرس الصحافة بالمراسلة وتحضر دروسًا فى الفرنسية.
وحين تعود لمدينتها بنغازى سيكون لزامًا عليها أن تتدبر مصروفها، انقطاعها عن مدرسة عملت بها قبلًا كمعلمة سيجعل من مرتبها عند عودتها لها ضئيلًا، فتفاجئها رائدة النهضة النسوية معلمتُها حميدة العنيزى بعرض عمل «مذيعة» بالراديو وبراتب جيد، ترددت كثيرًا فلم تكن مهنة مقبولة اجتماعيًا، وستُكال بنعوت تمس عائلتها كما تمسها، لكن تشجيع السيدة حميدة وتصديها لإقناع جد خديجة جعلها تغامر صادحة بصوتها، وهى الشاعرة الغنائية الاستثناء عبر الأثير، كمًا وتمثيلًا لأول مرة، وإن خانتها جاذبية الصوت ما لم تملك وتلك فارقة معجزة فى سيرتها!
للمعلمة الملهمة «خديجة» حكاية كادت تُضيع مصدر رزقها الوحيد بل حياتها أيضًا، إذ جرى ضبط زيارتها للسفارة المصرية لتسلم السفير قائمة بأسماء المتطوعين للحرب مع مصر أثناء العدوان الثلاثى فما كان من المخابرات البريطانية وعبر مدير محطة الراديو الإنجليزى غير إخضاعها لتحقيق أرعبها إذ اطمأنت لحملها الجنسية المصرية إلحاقًا بوالدها وأن لا ضير من متابعة شئونها فى سفارة مصرية، ولخديجة سابقة أيضًا فى شجاعتها وإعلان موقفها من مستعمر بغيض فقد كتبت مقالًا بجريدة ليبيا المصورة تستهجن ممارسات الفاشى الإيطالى موسيلينى ما عرض أسرتها لموقف كاد يرميها فى غياهب السجن والنسيان!
وجاءت أسطرى عنها بالموقع: ملهمتى من مدرسة «فعل الإرادة»، قدوة فى مشروعها ما أنجزته على الصعيدين الوطنى والإنساني، هى عنوان جوهرى لكل معانى الشجاعة، والمبادرة، والأمل فى الغد، فى يومنا هذا، وما أشبههُ بزمن خطوها، مُشاركةً فى صنع لبنات الدولة المدنية، وهى ناشدة الديمقراطية وصانعة المؤسسة، هى ليست المعلمة والصحفية والإعلامية، والشاعرة الغنائية الأولى، والقيادية، فقط، بل هى صوت «بنت الوطن» بمنزع إنساني، هدفه التغيير والإصلاح، ومبدأه تكافؤ الفرص، وأن وطنًا جسده سليم بساقين وقفتهما راسخة معا رجل وامرأة، هى المناضلة خديجة الجهمي.
فى ليبيا هذا العام وفى احتفاء غير مسبوق منذ عقود تابع الجمهور حملات إعلامية فى هذا الشهر تحتفى بالمرأة الناهضة عبر قناة فضائية «٢١٨»، حملت شعار «أم تصنع أمة»، فى مراجعة لسيرة نساء رائدات حققن سبقًا فى مجالات عدة، بكّرن السعى والعمل لأجل نهضة وطنهن فى زمن صعب غطى فيه الفقر والجهل والمرض محيطهن، وقتها سُجلت ليبيا كواحدة من أفقر بلدان العالم، لكن الطليعة من الآباء المؤسسين والأمهات خطت مشوارها وإن صعب المسير.
للمعلمة حكاية كادت تُضيع مصدر رزقها الوحيد، إذ جرى ضبط زيارتها للسفارة المصرية لتسلم السفير قائمة بأسماء المتطوعين للحرب مع مصر أثناء العدوان الثلاثى.