السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

عتريس... بما لا يخالف شرع الله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في رائعة حسين كمال فيلم (شيء من الخوف) نجد أدب وفن صادق يصلح للتعبير عن الديكتاتورية في كل مكان وزمان؛ ولأن الفن الحقيقي حمال أوجه.. ممكن أن نعبر التفسير المتداول للفيلم بأن عتريس يرمز لعبد الناصر، وعصابته تشير لمجلس قيادة الثورة.. الأمر الذي كاد أن يتسبب في منع الفيلم من العرض، فإن الفيلم صالح بعد ثورة 25 يناير ليعبر عن الديكتاتورية الجديدة التي تحكم مصر، فالواقع يقول إن عتريس وعصابته أو جماعته رموز لا تموت، (بالسحنة ديه بالضحكة ده مالي البلد خوف).
هكذا كان عتريس الجد المرعب والذي يجعل حياة عتريس الطفل جحيمًا، فغير مسموح له اللعب أو ركوب المراجيح، أو حتى مداعبة الحمام، الفيلم لا يقدم لنا أي معلومات عن والدي هذا الطفل البائس الذي ألقت به الأقدار إلى حضن الديكتاتور الشرس، هكذا ينمو عتريسنا باهتًا بلا شخصية في الظل، لكنه خاضع لجماعة تقدس القتل والنهب.. لم يسمع به أحد من قبل، ولم يلمس أحد له أهمية أو دور؛ حتى يتم اغتيال الجد الظالم صاحب ومؤسس جماعة الأشرار، ولا يدري أحد من وراء قتله، فأعداؤه كثيرون.. ويجد العتريس الأصغر نفسه في موضع لا يحسد عليه، فيجب أن يقتل على الفور قاتل جده.. دون أن يشغل عقله ولو دقيقة واحدة لكي يستجوبه ويعرف من وراءه، فهو (مقطف بودان)- بلغة شباب الفيس بوك الآن- قيل له.. انتقم لجدك فينتقم، مستعرضا قدرته على إطلاق الرصاص عن بعد، ثم يتولى قيادة عصابة الأشرار التي تُرعب الدهاشنة.
لم يعد أحد مندهشًا من توريث الإجرام هكذا بلا خبرة ولا دراية، فقد ماتت الدهشة في الدهاشنة.. يكفي أنه يحمل اسم الجد ويحمل سمة الوحش وينتمي إلى الجماعة، إلا أننا نجد بعض أعضاء العصابة المقربون الذين يعرفونه جيدًا، ويعرفون ضعفه.. هولاء يمارسون النميمة والاغتياب من وقت لآخر.. ساخرين من الجلباب الواسع الذي يرتديه- (الدهاشنة كبيرة عليك)- أما عتريس فيحاول أن يثبت ذاته بمزيد من القهر، ويعلن- ليس بإعلانات دستورية ولكن بقرارات عنترية فرض أضعاف الإتاوة ومزيد من التجبر- وحرق مزيد من البيوت، ولأنه أجاد ذبح الحمام بعد جهد جهيد و“,”كام“,” قلم على وجهه من الجد، فإنه يستخدمه للتسلية من وقت لآخر ذابحًا رقتها بعنف شيطاني- هكذا تم استخدام طائر النهضة للتسلية والضحك على الغلابة، وذبح على الملأ بإعلان أنه لم يكن موجود من الأصل، ولم يتبقى منه إلا الريش يطير فوق أرض تعاني الجفاف والحريق، وتبقى فؤاده هي الحلم العاصي على عتريس، فإذا كان قد ورث الدهاشنة وتغلغلت عصابته في كل مفاصلها، إلا أنه وداخل نفسه يدرك جيدًا أن الدهاشنة هي فؤادة وما دامت تتحداه.. وتُعصِّي الناس عليه وتفتح هويس المظاهرات ضده، فما زال سلطانه مهزوز ومشروع نهضته فنكوش، وكل إتاواته وظلمه وقهره وذله وإغلاق القنوات قرارات فاشوش، لذلك يسعى طوال مدة حكمه الأسود إلى إخضاعها وركوبها.. بل والشيء الغريب الذي لا تجد له تفسيرًا في الفيلم ويسهل أن تجده في الواقع هو حرص هذا الطاغية المتجبر على الزواج من فؤادة أي إتمام مراسم الدين التقليدية، فلماذا لم يفكر وهو المغتصب الجائر في اغتصابها هل يستخدم كل الطغاة أشكال من التدين لتحقيق مآربهم وأغراضهم الدنيئة؟ (كالصلاة أمام الكاميرات مثلا) لذلك يثور ويحرق ويخرب عندما يعرف أن العقد بااااطل، فهذا القاتل عديم الرحمة، يتأثر ويهتم بما لا يخالف شرع الله- وكأنه تقي لا يفوته فرض أو خطبة جمعة تكلف الدهاشنة الملايين- ولا ننسى أن اللعب بالدين هنا كان المسمار الأخير الذي دق في نعش المجرم وأهاج الجموع عليه وانتهى بحرقه.
وإذا اتبعنا نفس التفسير على زواجه الباطل من فؤادة، سوف نجد في الأحاديث عن تزوير الانتخابات، والمطابع الأميرية، والنتيجة التي انتظرت الإعلان أيام- في الغرف المغلقة (مثل الغرفة المظلمة التي دخلها والد فؤادة وأصدقائه لإتمام المؤامرة)، سوف نجد كلمة باااااطل في الزواج من مصر تتناسب تمامًا مع الواقع المعاش، ولا داعي أن نذكِّر القراء بمشاهد النار وحرق البيوت، فحرق الأقسام يوم جمعة الغضب ما زال ماثلاً في الأذهان، ولعل الإعلانات الدستورىة من وقت لآخر، تذكرنا بالصرخة المدوية (أنا عتررررريس) التي كانت تخلع القلوب والافئدة بالقرية المنحوسة والتي كانت من قبل محروسة، فهنا تماس بين غرور القوة وجبن السيطرة من الحالم بأن يكون عتريسًا للعصر وبالفيلم أحد أفراد عصابة عتريس، الذي يتزوج بائعة الجبن الحسناء، ويصاب بلوثة عقلية لأنه يريد أن يصبح مهابًا مخيفًا ترتعب منه المفاصل مثل عتريس، ويتعرض لسخرية زوجته وخيانتها واستهزائها من ضعفه، فييقوده جنونه إلى الذهاب إلى أحد القرى وهو يردد في هطل (والنبي أنا عتريس.. والنبي قتال قتلاه والنبي أنا مجرم... إنتو مش بتخافوا غير من عتريس، والنبي أنا مرعب خافوا مني) فيكتشف أهالي القرية الغلابة أنه قادم بمفرده بعيد عن رئيس عصابته أو جماعته فيقررون الانتقام منه، وينهللون عليه وسط ضحكته البلهاء ضربًا وركلاً حتى الموت، وهو يعلن أنه عتريس حتى النفس الأخير، ولكنه عتريس بلا حمام لقد فقد الرجل طائر نهضته الذبيح للأبد، ولعل الطائر الذي يناسب فيلم الواقع هو الخفاش الذي لا يعيش ولا يطير إلا في الظلام؛ حيث الجهل والفقر والتخلف، وعندما يلتصق بالكرسي أو الوجه لا يتركه إلا بالدم .
أين أنت يا شيخ إبراهيم أو يا شيخ عماد عفت لتصرخ في ميدان التحرير بااااااااااطل.