تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الجريمة الإرهابية جريمة قديمة حديثة، فهى ليست وليدة العصر الحديث، بل إنها ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، وجريمة الإرهاب فى جوهرها واحدة، سواء فى العصور القديمة أم فى العصر الحديث، كل ما هنالك أن تلك الجريمة قد طرأت عليها بعض التغيرات لتتناسب ومتطلبات العصر الحالي، ولتظهر على هذا النحو الذى نراه عليها اليوم.
ومن خلال هذا المقال، وعدة مقالات متتالية، سوف أعرض للمواجهة القانونية للإرهاب منذ العصور القديمة (الفرعونى- اليوناني- الروماني)، ثم نعرض لها فى الكتاب المقدس والقرآن الكريم، ثم فى العصور الوسطى، ثم نبين ما آلت إليه هذه المواجهة فى العصر الحديث، وذلك على التفصيل الآتي:
• المواجهة فى العصر الفرعوني:
١ـ كان الملوك الفراعنة ينظرون إلى مثيرى القلق والفتن نظرة ملؤها القسوة وعدم الرحمة؛ فقد كان مرتكبوها يعاقبون بعقوبة الإعدام.
٢ـ كما كان يعاقَب كل من يصل إلى علمه وجود مؤامرة ضد نظام الحكم ولم يبلغ عنها، بالصلب هو وأسرته، وكان يعاقب مفشى أسرار الدولة بقطع لسانه.
٣ـ وقد كانت تُشكَّل محاكم استثنائية فى حالة الجرائم الماسة بأمن الملك أو المملكة، خاصة فى عهد رمسيس الثالث، وكانت تُشكَّل المحاكم التى تنظر فى هذه الجرائم من اثنى عشر قاضيًا، يتم اختيار بعضهم من رجال الجيش.
• المواجهة فى العصر اليوناني:
تُعَد جريمة الخيانة من أخطر الجرائم السياسية فى مدن اليونان القديمة، وكان يعاقب الخائن بالإعدام وبمصادرة أمواله، وبإبقاء جثته خارج حدود الدولة، ويتم تنفيذ هذه العقوبات ـ عدا الإعدام ـ حتى لو اكتُشِفَت جريمته بعد موته.
• المواجهة فى العصر الروماني:
١- أما فى العهد الرومانى؛ فقد ظهرت طائفة من الجرائم المقترفة ضد الدولة سُمِّيت «جرائم المساس بالعظمة»، وكان مفهومها الأساسى يدور حول حماية الرومان من أعداء الجمهورية وأعداء الشعب، وكان للقاضى الحرية المطلقة فى تقدير الوقائع التى تشكِّل جريمة من جرائم المساس بالعظمة، ولم يكن التجريم يقتصر على الأفعال المادية، وإنما كان يشمل التصورات والأفكار التى تراود الشخص وأباح بها وإن لم ينفذها.
٢- وفى وقت لاحق ظهر تشريع آخر يهتم بأمن الدولة الداخلي، وتجلَّت أبرز صوره من خلال جريمة «إثارة الشغب».
• المواجهة التشريعية فى الكتاب المقدس:
جاء فى الكتاب المقدس بعض النصوص التى وضعت قانونًا يواجه بعض أنواع الإرهاب الواقع من البشر، من هذه النصوص ما يأتي:
١- «مَنْ قَتَلَ بَهِيمَةً يُعَوِّضُ عَنْهَا، وَمَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا يُقْتَلْ». (سفر اللاويين، الإصحاح الرابع والعشرون).
٢- «كُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَعَلَى فَمِ شُهُودٍ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ». (سفر العدد، الإصحاح الخامس والثلاثون).
• المواجهة التشريعية فى القرآن الكريم:
بعد أن حكى القرآن الكريم قصة قتل قابيل لأخيه هابيل بغير حق، وضع نصًّا تشريعيًّا يواجه كل أنواع الإرهاب المحتمل الذى يصدر ممن يعيثون فى الأرض فسادًا، ويعبثون بمقدرات الأوطان، فبَيَّن الله تعالى أن كلَّ من يهدد أمن الناس ويتعرض لهم بالأذى فى أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم يكون محاربًا لله ورسوله، ووضع القرآن الكريم لهؤلاء الجزاء الأمثل الذى يستحقونه، فكان الجزاء من جنس العمل.
يقول تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣].
أكتفى بهذا القدر فى هذا المقال، على أن أكمل حديثى عن المواجهة القانونية للإرهاب فى المقالات المقبلة.