تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يبدو أن القدر ما زال يمارس هوايته مع مصر، فقبل أيام من انتهاء المدة التى حددها البعض بشهر عقب الاجتماع الثلاثى بين قادة مصر وإثيوبيا والسودان يناير الماضى بأديس أبابا، وتبعه اجتماع سداسى بين وزراء الخارجية والمخابرات بين الدول الثلاث بالقاهرة، لإنهاء تداعيات الصراع المحتدم والمحتوم على حصة مصر السنوية من مياه النيل بسبب سد النهضة الإثيوبى.. جاءت استقالة رئيس الوزراء الإثيوبى «ديسالين»، لتربك المشهد من جديد، وتضع العشرات من علامات الاستفهام حول توقيتها وأسبابها وتداعياتها.
البعض يرى أن الاستقالة المسببة هى جزء من حيلة جديدة من الجانب الإثيوبى، لضياع مزيد من الوقت، لتحقيق نسب تنفيذية أعلى فى سد النهضة، والدليل تأجيل الاجتماع الثلاثى الذى كان مقررا أن تستضيفه الخرطوم فى مستوييه الفنى والوزارى يومى ٢٤ و٢٥ من فبراير المنصرم!
فيما يرى آخرون أنها فى صالح مصر، ويروجون لقدرتنا على استغلال الأزمة لصالحنا، بسبب ضعف موقف الجبهة الداخلية الإثيوبية التى سيجعلها على الأقل فى مرونة حيال المفاوضات.
ويزيد تفاؤل أصحاب هذا الرأى من أن الجماعة التى ترجح كفتها لتشكيل الحكومة الجديدة «التغراى»، وهى جماعة لا تهتم بالمشروعات الكبرى، وينصب تركيزها على تحقيق تسويات مع القوى الأخرى لضمان استدامة بقاء أعضائها فى مناصبهم، والخروج من نفق الأزمة الاقتصادية الذى يعد تمويل السد أحد أسبابها.
وثانى أسباب تفاؤل هؤلاء هو إمكانية تعطل بناء سد النهضة خلال الفترة المقبلة، بسبب اضطرار الحكومة الإثيوبية الحالية أو المقبلة على تيسير الحياة على المواطنين وتوسيع مجال الحريات، وتخفيف الأعباء الاقتصادية، ما سيؤثر على المصروفات المخصصة لبناء السد فى ظل امتناع عدد من الدول عن تمويل هذا المشروع حتى تنتهى المفاوضات التى تجريها أديس أبابا مع القاهرة والخرطوم.
أما الطرف الثالث، والمحكوم بدبلوماسية الحديث، فيرى ضرورة عدم استباق الأحداث، واستبعاد -ولو مؤقتا- أن تتسبب الاستقالة فى تراجع إثيوبيا عن التزاماتها التى وقعت عليها فى حكومة ديسالين، معربين عن أمنياتهم فى الالتزام بالإطار الزمنى الذى حدده قادة الدول الثلاث لحسم الخلافات الفنية القائمة، لا سيما أن قضية سد النهضة تمس مصالح الشعوب، وأن التنفيذ الدقيق لتكليفات القادة، يقضى باعتبار مصالح شعوب الدول الثلاث مصلحة لدولة واحدة وشعب واحد.
وبعيدا عن تلك الآراء وتأكيدات السفير الإثيوبى بالقاهرة، تاييى سيلاسى، بالتزام بلاده بالتعهدات، وإعلان المبادئ، وأن استقالة رئيس وزراء بلاده، لن تؤثر بأى شكل على مباحثات سد النهضة، فإننا أمام مستجدات تبعث على الحيرة والقلق والتوجس تجاه دولة تبحث دائما عن ذرائع ومبررات لاستكمال مشروعها خطير العواقب على مقدرات شعبى وادى النيل.
فلم يعد الخوف من أن تشكيل حكومة جديدة فى إثيوبيا قد يستغرق وقتا طويلا، ومنح الفرصة أمام اكتمال السد، وإنما من تغيير قواعد اللعبة يجرى حاليا، حيث هناك نظام جديد يبدأ إرساؤه فى المنطقة برمتها، وفى إثيوبيا تحديدًا.
إن على مصر ألا تقف بمعزل عن تطورات الداخل الإثيوبى الذى يؤثر بشكل مباشر على استقرار وبقاء شعبى وادى النيل، وألا تترك الساحة لعبث إسرائيل وأمريكا ومن يواليهما، وأن تجد لها مكانا فى الاختيار الصعب لرئيس الحكومة الجديد الذى يأتى من بين ما يزيد على ٨٧ قومية مختلفة موجودة بإثيوبيا، وتعد مجموعة «الأورومو» أكبر الإثنيات الإثيوبية، حيث تزيد على ٤٠٪ من إجمالى عدد السكان، تليها «الأمهرة» التى تقدر نسبتها بما يتراوح بين ٢٥٪ و٣٠٪، يليهم ذوو الأصول الصومالية، ثم قومية «التيجراى» وتبلغ نسبتها ما يتراوح بين ٥٪ و٧٪.
فيما يوجد فى إقليم جنوب إثيوبيا ما يزيد على ٥٦ قومية منها «السيداما، والقراجى، والولاباشا، والهديا». وأخيرا... إن أى تهديد لمياه مصر يعتبر تهديدا لسيادتها، وأن الدبلوماسية والتعاون، وليس الحرب، هما الخيار الوحيد لحل أزمة سد النهضة.