رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا نراه منافقًا؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكثر ما يعانيه الإعلام المصرى قلة الدراسات التى تبحث فى صورة الإعلام لدى الجمهور، وما إذا كانت هذه الصورة تختلف باختلاف الزمن بسياقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبتعدد أنماط ملكيته.
وكل ما لدينا مجرد انطباعات نسمعها ونلاحظها فى أحاديث الناس ومع ذلك لا يتوقف غالبية الإعلاميين والصحفيين عند هذه الانطباعات ليقفوا مع أنفسهم وقفة مهنية لمراجعة ما قد يرتكبونه من أخطاء وخطايا بغير قصد.
فى هذه السطور أطرح تساؤلا أظنه رجع صدى لصورة جانب كبير من إعلامنا لدى الرأى العام: «لماذا يرانا الجمهور منافقين، وبالمصطلح الدارج هذه الأيام مطبلاتية؟!».
فى الماضى وقبل ظهور الصحافة الحزبية والخاصة والفضائيات المملوكة لرجال الأعمال، كان الرأى العام المصرى يثق فى الإعلام الرسمى للدولة ممثلا فى التليفزيون والصحافة القومية، وإن كان يدرك أنه لا يذكر كل الحقائق، ومع ذلك كان كبار الكتاب الذين عرفهم فى تلك الفترة يعوضون تلك المساحة بمقالاتهم التحليلية.
وعندما ظهرت الصحافة الحزبية، كان من المفترض أن تكون أكثر مهنية فى عدم الالتزام بوجهة النظر الرسمية لتبحث عن الوجه الآخر للحقيقة فى مصادر مختلفة، ولكن دون أن تغفل وجهة النظر الحكومية لتجعل القارئ يكتشف الحقيقة بنفسه، ربما لعبت هذا الدور فى بداية نشأتها مع ظهور صحف «الأهالى والوفد والأحرار»، خاصة أن من قاموا على تأسيسها كانوا من أبناء مدارس الصحافة القومية، لكن الأمر لم يستمر كذلك طويلا، فالجيل الجديد من الصحفيين والذى بدأ حياته المهنية داخل الصحف الحزبية مارس المهنة من منظور المعارض السياسى لا المنظور الصحفى والمهنى، ورأينا نماذج كانت حريصة على إثبات صحة موقفها على حساب الحقيقة، بل وكان منها من مارس دورا تحريضيا لا صلة له لا بالعمل الحزبى أو الصحفى، على غرار ما فعلت جريدة «الشعب» فى قضية «وليمة لأعشاب البحر» الشهيرة.
صحافة التشنج كانت النمط السائد فى الصحف الحزبية والخاصة فى العقد الأول من الألفية الثالثة، لكنها كانت الأكثر قبولا ولا أستطيع القول الأكثر مصداقية بسبب تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
وجاءت أحداث يناير ٢٠١١، ليفاجأ الجمهور بالصحافة القومية تنقلب ومن دون مقدمات على الرئيس ونظامه، بل وتتشارك مع الصحافة الخاصة والحزبية فى نشر أخبار وقصص ثبت فيما بعد عدم صحة أغلبها.
واتفق غالبية الإعلام المصرى بفضائياته وصحفه فى سنوات الفوضى على إقناع الجمهور كذبا أنه بتوزيع ثروة مبارك وحوارييه سيكون المصريون من أغنى شعوب الأرض.
ومع استقرار النظام السياسى المصرى بانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مايو ٢٠١٤، بدأنا نشهد تشوهات غير مسبوقة فى الأداء الإعلامي، حيث غابت كل معايير المهنية سواء لدى المؤيدين أو المعارضين، وظل اللهاث وراء الصحافة الصفراء والإثارة على حساب الوطن معيارا يحكم أداء الغالبية، من ذلك على سبيل المثال، ما جرى فى ١ يوليو ٢٠١٥، عندما نقل الإعلام المصرى أخبارا كاذبة عن فضائيات ووكالات أنباء معادية بشأن هجوم عناصر إرهابية على الشيخ زويد، ورغم صدور تعديل تشريعى يغلظ العقوبة المادية على من لا يلتزمون بالبيانات العسكرية، رأينا الأمر ذاته يتكرر فى معركة «طريق الواحات».
وفى مستوى آخر، وجدنا المؤيدين يعالجون إنجازات الرئيس ومبادرات الدولة الإيجابية بشكل دعائى دون تقديم تفصيلات معلوماتية عن حقيقة ما يجرى فى المشروعات الكبرى، فلم نجد اللهم إلا فيما ندر من يطرح قصصا إنسانية للعمال والفنيين والمهندسين المشاركين فى تشييد تلك المشروعات، وهو الأمر الذى جعل الرأى العام ينظر إلى هذا الأداء السطحى باعتبار هذه المجموعة من الإعلاميين، مجرد منافقين، وبسبب ملاحقة تهمة التطبيل لا التأييد لغالبية الإعلاميين، انصرف معظمهم عن مناقشة أو حتى عرض ما تقوم به الدولة من مشروعات، واكتفى بطرح قضايا اجتماعية أغلبها لا تستحق أكثر من مساحة ٥٠ كلمة فى صفحة الحوادث.
ما فات لم يمت، ومع ذلك يمكن تداركه فقط بإعلام وطنى يعى جيدا أن دولة الثلاثين من يونيو لا تكذب ولا تتجمل ولا تحتاج منافقا أو متملقا وأنها لا تخشى الحقيقة.