أكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردني الدكتور خالد طوقان أن البرنامج النووي السلمي بالمملكة يسير بخطى ثابتة رغم التحديات، مشيرًا إلى أن الهيئة تفاضل حاليًّا بين بناء المفاعلات الكبيرة والمفاعلات الصغيرة المدمجة، وستقدم توصيتها للحكومة بالخيار الأمثل بنهاية العام الحالي.
وقال طوقان، في مقابلة مع مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان: إن الأردن نجح، خلال السنوات العشر الماضية، في بناء مفاعل نووي بحثي متطور جدًّا، وكذلك تشغيل مسارع السنكروترون الضوئي وهو من أكبر المسارعات الموجودة في العالم، فضلًا عن المضي بخطوات جيدة في برنامج اليورانيوم، معربًا عن تفاؤله بمستقبل المملكة النووي "الإيجابي".
وحول البرنامج النووي الأردني أوضح أنه يضم ثلاثة مشروعات رئيسية: هي المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب، وبرنامج إنتاج اليورانيوم، والمحطة النووية الأردنية.
وأفاد بأن برامج تأهيل وتطوير القوى البشرية اللازمة لإدارة البرنامج النووي السلمي وإدامته، هناك ما يقرب من 100 مبعوث أردني يدرسون برامج الماجستير والدكتوراه في عدة دول نووية أهمها أمريكا وروسيا والصين وكوريا وفرنسا، وقد بدأ بعضهم بالفعل العودة إلى المملكة وأخذ موقعه.
وفيما يخص المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب أشار طوقان إلى أن الهيئة انتهت من إدخال المفاعل في الخدمة بعد حصولها على رخصة تشغيله في نوفمبر الماضي، وفي انتظار الحصول على ترخيص مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية، في منتصف هذا الشهر للبدء بإنتاج العناصر النووية المُشعة للاستخدامات الطبية مثل "اليود 131" و"التكنيشيوم 99" و"الإريديوم 192"، منوهًا بأنه سيتم تسويقها للمستشفيات داخل المملكة، قبل الانطلاق لاستهداف الأسواق على مستوى المنطقة.
ونوه بأن المفاعل الذي سيكون نواة لتأهيل وتدريب الكوادر الأردنية، إلى جانب إنتاج النظائر الطبية المشعة، يدار حاليًّا بكوادر وطنية، بإجمالي 100 مهندس ومشغل فني ومتخصص، عدا بضعة أشخاص على مستوى استشاريين فقط.
وأشار إلى أنه سيتم كذلك، خلال النصف الثاني من الشهر الحالي، فتح المفاعل أمام طلاب وأساتذة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية؛ للتعرف على آلياته والأنظمة داخله، منوهًا بأن المفاعل يشكل العمود الأساسي في تدريب وتأهيل القوى البشرية الأردنية.
أما فيما يتعلق ببرنامج إنتاج اليورانيوم فأكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردني أن الهيئة انتهت من تقدير احتياطي اليورانيوم في منطقة (سواقة) وسط الأردن، والذي يبلغ الآن 40 ألف طن مثبتة، لافتًا إلى أن الهيئة ستنشر، خلال يونيو المقبل، التقرير الدولي الثالث لها الخاص بتبويب الاحتياطي حسب المعايير الدولية، والذي يعد أحد المتطلبات الرئيسية للدخول في دراسة الجدوى الاقتصادية.
وأضاف: "بدأنا الآن في خط مواز لعمليات الاستخلاص، وطورنا العملية مخبريًّا، وأيضًا على المستوى الميداني ونقوم بالتطوير على (مستوى ما قبل الصناعي)"، متوقعًا بدء التشغيل الكامل لوحدة الإنتاج مع نهاية هذا العام تمهيدًا للبدء في إنشاء مجمع صناعي كامل لإنتاج اليورانيوم واستخلاص ما يسمى "الكعكة الصفراء".
وحول إنشاء المحطة النووية الأردنية قال طوقان: "انتهينا من جميع الدراسات الفنية المتعلقة بمياه التبريد، والشبكة الكهربائية، واستقرار الشبكة، وسوق الكهرباء، والموقع، وتشير التقارير إلى أن الموقع الذي تم اختياره لإقامة المحطة وهو بمنطقة (قصير عمرة) نجح في أن يحقق كل المتطلبات الدولية لاختيار موقع المحطة النووية".
وتابع: "ونحن الآن في المرحلة الثانية ننطلق إلى دراسات الأثر البيئي، ونتواصل مع الجانب الروسي في التفاوض حول الشراكة في موضوع بناء المحطة النووية".
وردًّا على سؤال حول التكنولوجيا التي سيعتمدها الأردن عند إنشاء المحطة النووية الأردنية، أجاب طوقان "أن هناك خيارين رئيسيين عند الحديث مع الأطراف كافة، ومن بينها الطرف الروسي فيما يخص نوعية المحطة، وهما إما أن نبني مفاعلًا كبيرًا بقدرة 1000 ميجاوات، وفي هذه الحالة هناك تحديات ينبغي التعامل معها مثل تبريد المياه والأمن والسلامة والنفايات النووية، والخيار الآخر الذي ندرسه الآن بجدية هو المفاعلات النووية الصغيرة المدمجة والتي سيبدأ استخدامها تجاريًّا اعتبارًا من عام 2020".
واستطرد: "ندرس حاليًّا كلا الخيارين وسنخبر الحكومة في أي توجه نريد أن ننطلق بعد دراسة الحلول الهندسية كافة، متوقعًا تقديم توصية للحكومة الأردنية بالخيار الأمثل بنهاية العام الحالي".
وأوضح رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردني أنه في حال التوجه لإقامة المفاعل الكبير، سيتعين التعامل مع تحدى تبريد المياه، وسيكون ذلك من خلال الاعتماد على مبدأ دورة التبريد المغلقة التي يتم من خلالها إعادة تدوير مياه التبريد داخل المفاعل من خلال أبراج التبريد والمراوح الضخمة، فضلا عن استعمال المياه العادمة التي سيتم ضخها من (خربة السمرا) على بعد نحو 60 كيلومترًا إلى موقع المحطة، منوهًا بأن كل 1000 ميجاوات تحتاج إلى 25 مليون متر مكعب سنويًّا يعاد تدويرها في المفاعل، منبهًا في الوقت نفسه إلى أنه ينتج عن ذلك خَسارة في كفاءة المفاعل (أي كفاءة توليد الطاقة) تصل إلى 3- 4%.
وأضاف: "أما إذا ما توجهنا لخيار بناء مفاعلات صغيرة، فهناك تصميمات الآن لمفاعلات تبرد بالغاز (غاز الهيليوم)، وقد بدأت عملية بناء تلك المفاعلات على سبيل المثال في جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية والصين، وتبني هذه المفاعلات كوحدات، كما أنها لا تحتاج إلى التبريد بالمياه، بل بالهواء".
وتابع: "نقوم حاليًّا بدراسة تصميمات هذه المفاعلات، وننظر لها بدقة ومن ناحية هندسية وبنية تحتية متوفرة بالمملكة".
وفيما يخص تمويل بناء المحطة النووية قال طوقان: نتحدث الآن مع تجمعات بنكية داخل الأردن وخارجها للحصول على تمويل بشراكة، والدخول في بناء المحطة كشريك استراتيجي، وهناك أبواب بدأت تفتح في هذا المجال، منوهًا بأن تكاليف بناء المفاعل الكبير تصل إلى 5 مليارات دولار، فيما تبلغ تكاليف المفاعل الصغير المدمج ملياري دولار فقط.
وردًّا على سؤال حول كيفية نجاح الهيئة في التغلب على التحديات التي واجهها البرنامج، قال الدكتور طوقان: "حينما وجدنا علوا في الأصوات المعارضة في الإعلام ومجلس النواب أبطأنا السير في البرنامج قليلًا، ولا سيما نحو بناء المحطة النووية الكبيرة، كما نقلنا موقع إقامتها من العقبة إلى منطقة أقل نشاطًا زلزاليًّا وبعيدة عن التجمعات السكانية وهي (قصير عمرة)؛ تحقيقًا لشروط السلامة".
وأضاف: "وجهنا رسالة إلى المعارضة الداخلية بأننا حريصون جدًّا على الأمور المتعلقة بالأمان وابتعدنا عن التجمعات السكانية والمناطق الزلزالية، كما أرسلنا رسالة للمجتمع وحاورناهم بأسلوب علمي، وأكدنا لهم أننا لن نقوم ببناء إلا أفضل التصميمات العالمية من ناحية الأمن والسلامة، أو ما يطلق عليه تصميمات (الجيل الثالث) و(الجيل الثالث زائد) التي تتمتع بأفضل المواصفات الدولية والتي استفادت من الدروس السابقة، سواء في الحوادث النووية مثل تشيرنوبيل أو ثري مايل أيلاند أو فوكوشيما".
ولفت طوقان إلى أن رؤية التجمعات البشرية التي تعيش بجوار المفاعل البحثي لفوائده المتعددة، ولا سيما الاستخدامات بمجالات المياه والزراعة والطب والجيولوجيا والتعليم والصناعة، وكذلك فوائده الاقتصادية، أسهمت كثيرًا في تغيير نظرتهم السلبية تجاه التكنولوجيا النووية السلمية، منوهًا بنتيجة استطلاع رأي للمجتمع الأردني حول بناء محطة نووية بالمملكة، التي أشارت إلى أن 32% من الشعب الأردني مع إنشاء محطة نووية، من ناحية اقتصادية والتخلي عن الوقود المستورد ذي التكاليف العالية وارتفاع أسعار الكهرباء التي تضاعفت في آخِر 8 سنوات.
وقال: إن إخضاع دراسات الهيئة لمراجعة وتدقيق خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك من قبل لجنة استشارية دولية، سواء عند اختيار موقع المحطة النووية أو سلامة المفاعل البحثي، أو مشروع اليورانيوم، ونشر هذه الوثائق بكل شفافية، عزّز ثقة الرأي العام الأردني بالبرنامج.
وفيما يتعلق بالضغوط الخارجية التي تستهدف حِرمان الأردن من استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية، أكد طوقان أن "الأردن في حاجة اقتصادية لهذا البرنامج، وهذا حقنا السيادي والاجتماعي والاقتصادي"، مشيرًا إلى أن المملكة على علاقة قوية جدًّا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتتعامل معها بشفافية، وأثبتت مصداقية برنامجها والتزامه بنظام الضمانات الخاضع للوكالة.
وفيما يتعلق بآليات التعامل مع النفايات النووية ذكر طوقان أن الأردن سيتعامل مع النفايات النووية من حيث تدويرها ومعالجتها والتصرف بها، تمامًا كما تفعل الدول التي سبقته في هذا المضمار، وضمان محددات وتوصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وحول الفوائد التي سيجنيها الأردن من الطاقة النووية رغم المحاذير المحيطة بها، قال طوقان: إن الأردن يمر بأزمة طاقة كبيرة ذات أبعاد اقتصادية أسهمت في زيادة مديونياته، ويبحث الآن في استغلال مصادر الطاقة الممكنة كافة، مشيرًا إلى نجاح المملكة في وضع خطة منذ ما يقرب من عشر سنوات للانتقال إلى الاعتماد على مزيج طاقة متنوع من مختلف مصادرها المتجددة مثل الشمس والرياح إلى جانب المصادر التقليدية مثل النفط والغاز والغاز المسال والصخر الزيتي، معتبرًا أن الطاقة النووية تعد أحد الأركان الرئيسية للدخول إلى مجال تنويع مصادر الطاقة بالمملكة، بل وستكون في العهد المقبل هي المصدر الرئيسي للطاقة.