منذ بداية الحديث عن إمكانية تحول المشير عبدالفتاح السيسى من شخصية عسكرية تقود الجيش المصرى إلى شخصية سياسية بترشحه للانتخابات الرئاسية 2014، ومع الشعبية الجارفة التى حازها بسبب دوره كقائد عام للقوات المسلحة فى الوقوف إلى جانب ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو ضد حكم الجماعة الإرهابية، تعالت الأصوات بضرورة أن يكون للرئيس المحتمل حينها ظهير سياسى يدعم خططه وبرامجه.
وكان الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل من أبرز تلك الأصوات وإن لم يطالب بإنشاء حزب سياسى لدعم السيسى فى التو واللحظة، وقال فى غير مناسبة إن جميع رؤساء مصر بدءا من عبدالناصر وحتى مرسى كانوا يعتمدون على ظهير سياسى تجسد فى الاتحاد الاشتراكى بالنسبة لعبدالناصر وفى الحزب الوطنى الديموقراطى بالنسبة للسادات ومبارك وحزب الحرية والعدالة بالنسبة لمرسي.
ولم تلق تلك الدعوة قبول غالبية السياسيين والمثقفين الداعمين لعبدالفتاح السيسى سواء قبل ترشحه للانتخابات الرئاسية، أو بعد فوزه بها وتوليه منصب الرئيس فى يونيو 2014 رسميا وكانت حجتهم حينها أن الظهير الشعبى كاف لدعم الرئيس.
ربما كانت لهذه الرؤية وجاهتها فى تلك المرحلة من تاريخ البلاد حيث كان المصريون بحاجة لمن يعيد جمع شتاتهم حول مشروع قومى عنوانه الرئيسى إنقاذ الوطن وإعادة بناء دولة المؤسسات والقانون، ومحاربة الإرهاب.
كما كان لها مبرراتها السياسية والاجتماعية والنفسية فمن ناحية عاش المصريون بعد أحداث يناير 2011 أكثر فترات التمزق السياسى والاجتماعي، ومن ناحية أخرى لم تجلب التجربة الحزبية قبل يناير 2011 الديموقراطية بمفهومها الصحيح فقد ظل حزب الرئيس يلعب ذات الدور الذى كان يمارسه الاتحاد الاشتراكى بتغليب مبدأ الصوت الواحد كما أنه كان إحدى الأدوات التنفيذية للنظام السياسى التى تستخدم لخلق جماعات المصالح من المنتفعين والمتملقين.
اليوم ونحن على أعتاب بداية فترة رئاسية جديدة لم تعد مصر كتلك التى عرفناها طوال العقود الماضية فقد شهدت خلال السنوات الأربع الماضية ما يمكن تسميته بتغيير اقتصادى جذرى على يدى برنامج الاصلاح الاقتصادى والذى كان تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف عنوانه الرئيسي، وصحيح أن القوات المسلحة لعبت الدور الأكبر فى عملية بناء وتشييد المشروعات القومية الكبرى إلا أن لذلك ظروفه التى يمكن فهمها إذ إن البيروقراطية المصرية بقيمها الفاسدة أتت على كل جهد يمكن أن تقوم به شركات قطاع الأعمال العام، كما أن القطاع الخاص كان لا يزال فى موقف المترقب لما ستنتهى إليه أوضاع البلاد السياسية أى أن القوات المسلحة قامت فقط بوضع البنية الأساسية التى ستمهد الطريق أمام القطاع الخاص.
وعلى صعيد آخر لم تنس القوات المسلحة دورها فى تأمين البلاد فكانت عملية «سيناء 2018» لتقضى على منابع الإرهاب وجذوره فى أرض الفيروز، وعلى الصعيد السياسى حرصت الدولة بجميع مؤسساتها على إرساء قواعد دولة القانون حتى توفر مناخا سياسيا مستقرا لا تشوبه الإضرابات وأجواء العنف، وفى ذات السياق بدأت حربا موازية على الفساد.
قد بات لزاما أن ينتقل الحديث من الظهير الشعبى إلى الظهير السياسي، فبرنامج الرئيس بات واضح المعالم وأصبح لديه مؤيدون ومعارضون، كما أن التحول نحو الاقتصاد الحر يتطلب تعددية سياسية تعبر عن مصالح أطراف هذا الاقتصاد والتى تضم كبار رجال الأعمال وشرائح اجتماعية كبيرة من أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
كذلك فإن رفع الدعم وتحرير أسعار السلع والاتجاه نحو الاقتصاد الحر يدفعنا دفعا للتخلص من الدولة الأبوية المسئولة عن توفير كل شىء لمواطنيها مقابل احتكار السياسة من قبل نخبة تهيمن على السلطة، لندخل فى إطار الدولة التى يتشارك معها مواطنوها فى تحمل العبء والمسئولية ومن الطبيعى أن يكون من حق المشارك فى تحمل المسئولية المشاركة فى عملية صنع القرار السياسي.
الظهير السياسى للرئيس سيعمل على تهذيب سياسات الحكومة، ومراقبة أجهزتها التنفيذية، والتواصل مع الجماهير وحشدهم حول برنامج سياسى محدد، وسيحفز المعارضة الوطنية الجادة لإعادة تنظيم نفسها داخل اطر حزبية حديثة المنهج والأدوات لتشكل مع حزب الأغلبية أو الأكثرية ظهيرا سياسيا للدولة.