تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
حُكم المحكمة الدستورية الأخير بشأن قضية اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والمسماة إعلاميا «اتفاقية تيران وصنافير»، وتأكيد المحكمة الدستورية أن مجلس النواب هو المختص بهذه الاتفاقية باعتبارها عملًا من أعمال السيادة ولا ولاية للقضاء الإدارى والعادى على هذه الاتفاقية، حسم الجدل السياسي والبرلمانى والقانونى بشأن هذه الاتفاقية إلى غير رجعة ولا يجوز لأحد التعليق على هذه القضية بعد ذلك، وبخاصة المعارضين..
كما منح حكم الدستورية أيضا شهادة براءة لمن أعلنوا موافقتهم وتأييدهم لتلك الاتفاقية من أعضاء مجلس النواب عند طرحها للنقاش البرلمانى فى منتصف العام الماضى، رغم صيحات الاستنكار وعبارات الإدانة والاتهام التى وجهت لهؤلاء النواب من زملائهم المعارضين للاتفاقية..
كما منح حكم المحكمة الدستورية أيضا شهادة إبراء ذمة للحكومة التى وقعت على هذه الاتفاقية لترسيم الحدود والتى جعلت اتفاقية تيران وصنافير فى مرمى نيران المعارضة، وأيضا مرمى نيران المشككين فى وطنية الموقعين عليها، ووجهوا لهم اتهامات بالتفريط فى تراب مصر وإهدار دماء جنود مصر التى سالت فوق أرض الجزيرتين خلال حرب مصر مع إسرائيل فى أعوام١٩٦٧ و١٩٧٣، ووصل الأمر إلى المطالبة بمحاكمة الموقعين عليها بتهمة الخيانة العظمى..
والغريب أن الأصوات المعارضة للاتفاقية، وبخاصة من نواب البرلمان من كتلة ٢٥/٣٠ منحوا أنفسهم دون غيرهم صكوك الوطنية المصرية، وفسروا حكم القضاء الإدارى تفسيرا متماشيا مع مواقفهم السياسية، ورفضوا أى تفسيرات أخرى للمؤيدين للاتفاقية، بل تحدوا المؤيدين للاتفاقية أن يصدر أى حكم من المحكمة الدستورية العليا خلاف ذلك الموقف القانونى لحكم القضاء الإدارى..
وعندما صدر حكم الدستورية كان من حق الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، وأيضا أستاذ القانون الدستورى الذى ناله الكثير من الاتهامات وعبارات التشكيك خلال إدارته لاجتماعات وجلسات مناقشة الاتفاقية، حتى وصل بها إلى بر الأمان أن يوجه دعوة برلمانية من فوق منصة المجلس للمعارضين لها أن يتقدموا باعتذار لزملائهم المؤيدين لها، واعتذار عن مواقفهم المعارضة لحق مجلس النواب فى مناقشة وإقرار الاتفاقية..
ودعوة رئيس مجلس النواب للمعارضين للاتفاقية من داخل المجلس بالاعتذار كان يجب أن تواجه بالقبول الفورى والسريع من جانب النواب المعارضين الذين تقدموا بمذكرة المعارضة والرفض للاتفاقية انصياعا لحكم المحكمة الدستورية العليا، والتى أقرت بحق مجلس النواب فى مناقشتها باعتبارها من أعمال السيادة وليس أعمال الإدارة وأن مجلس النواب لم يعتدى على القضاء الإدارى..
ودعوة الدكتور على عبدالعال وجهت للمعارضين من داخل مجلس النواب باعتباره صاحب ولاية وحق وسلطة على من هم داخل المجلس، وليس له أى ولاية على المعارضين من خارج المجلس، ولذلك منح تصريحا لمن يرغب من نواب المجلس المؤيدين للاتفاقية فى مقاضاة من وجه لهم اتهامات من خارج المجلس، ومن شكك فى وطنية هؤلاء النواب وأهال التراب عليهم..
فرئيس مجلس النواب فرق فى التعامل بين المعارضين من ناحية والمشككين من ناحية أخرى بأن طالب الفريق الأول بالاعتذار السياسي والبرلمانى، بينما منح الحق لمن يشاء بالدعوة لمحاكمة الفريق الثانى أمام القضاء بسبب النيل من المؤيدين بكل الطرق والتشكيك فى وطنية هؤلاء، بل والمطالبة بإسقاط العضوية البرلمانية بل والجنسية المصرية عنهم..
ويبدو أن ثقافة الاعتذار عند الخطأ ليست ضمن القاموس السياسي والبرلمانى المصرى من جانب رجال السياسة والأحزاب ونواب البرلمان لأننا لم نسمع حتى الآن اعتذار من المعارضين سواء تصريحًا أو تلميحًا، وهو أمر يثير الدهشة لأن ذلك يعنى أن المعارضين لا يوافقون على حكم المحكمة الدستورية العليا، بل إنهم لم يعلنوا تأييدهم الصريح وموافقتهم على هذا الحكم..
أما فريق المشككين وبعضهم من رجال القانون فعليهم الاستعداد للوقوف أمام ساحات القضاء للدفاع عن أنفسهم بسبب عبارات الاتهامات الباطلة التى وجهت للمؤيدين للاتفاقية، وأن يتعلموا درسًا جديدًا لعلهم يستفيدون من هذا الدرس بدلا من صم آذانهم عن سماع الرأى الآخر..
وحكم المحكمة الدستورية يجب أن يدرس لطلاب كليات الحقوق فى جميع الجامعات، ويوضح لهم أسباب ومبررات هذا الحكم الذى أكد مبدأ الفصل بين السلطات، وهو أحد المبادئ الرئيسية فى الدستور المصرى الحالى، دستور ثورة ٣٠ يونيو، بل كان راسخا فى جميع الدساتير السابقة عليه..
كما يجب أن تقوم الأحزاب السياسية المصرية لشرح هذا الحكم الدستورى لكوادرها السياسية، وأن تعلم هذه الكوادر الفارق السياسي بين حق المعارضة وحق التشكيك، وأن المعارض السياسي الحقيقى لا يلجأ إطلاقا إلى سلاح التشهير والتشكيك، خاصة التشكيك فى وطنية المعارضين له حتى لا يرتد هذا السلاح إليه.