هبطت رسائل الأديان الإبراهيمية السماوية لتهذب حيوات الناس وتجعل منها حياة مثمرة صالحة مغيرة نفوس البشر مخاطبة الجانب المضيء وتدحر الشر داخلها.
إن رسالة الأديان وضعت أولويات معنوية لا حرفية فكان بناء دُور العبادة و طباعة المصاحف المقدسة والأناجيل المقدسة والكتب الدينية والوعظات والخطب والاسطوانات الدينية ما هى إلا طرق ووسائل للتقرب من الله جل جلاله لا غاية والتذكرة بكلامه كى لا ننسى وننشغل فى مشاغل الحياة.
ولكن غلب على سلوكنا فى شراء المنتجات الدينية طابعنا الاستهلاكى المسرف فازداد اعتقادنا بل ترسَّخ داخلنا سلوك أن الإسراف فى المنتجات الدينية ما هو إلا ورع وتقوى زائدة!
ولأن التاجر والمستورد والبائع يدرس مطالب السوق قبيل بداية مشاريعه التجارية الاستثمارية فى سوق معينة، وبالطبع كانت الأسواق المصرية فى الصدارة: اكتظت مكتبات الكنائس المصرية فى كل كنيسة ودير بالصور والتماثيل– بالطبع ليست للعبادة ولكن على شاكلة القديسين والآباء الصالحين- والشرائط المسموعة والاسطوانات والهدايا التذكارية التى تحمل صورة من التاريخ الكنسى على سبيل المثال.
كما اكتظت أيضًا الأسواق بالمنتجات الإسلامية والسبح واللوح الفاخرة فأصبح المواطن المسيحى فى بيته مكتبة مسيحية متنقلة، ليس كتابًا مقدسًا واحدًا بل عشرات، ليس صورة واحدة للسيدة العذراء مريم بل المئات، وهكذا الحال فى بيت المواطن المسلم.
وكأن اعتزازنا بأدياننا لا يكمن إلا فى شراء المقتنيات الدينية التى لا نستعملها كلها! فالشخص يقرأ مصحفًا واحدًا وإنجيلًا واحدًا حتى وصل الأمر أن صنعت لنا الصين- تلبية لرغباتنا- مُصحفًا وكتابًا مقدسًا شديد الصغر لا يستطيع أن يُقرأ بالعين المجردة! وذلك لأننا نحملهم للتبرك فقط لا الفهم!
إن الاعتزاز بالدين سمة عظيمة فى المواطن المصرى تجعل فى ذهنه دائمًا الأذكار والترانيم المليئة بالكلام الصالح الذى يثبت أقدامه على الطريق الصالح وعمل الخير، ولكن ذلك السلوك المسرف الذى يبلور الأمر ويعكسه من مجرد تسخير وسائل التكنولوجيا والطباعة والصناعة لخدمة الإنسان ومساعدته على الاحتفاظ بمعتقداته بسهولة إلى عكس الأمر تمامًا حتى يصبح جزءًا من دخل المواطن هو الذى يخدم تلك التجارة ويحقق من ورائها ربحًا مهولًا.
لماذا لا نكتفى بكتاب مقدس واحد لكل فرد فى الأسرة على الأكثر؟ لماذا لا نكتفى بسبحة واحدة لكل شخص فى المنزل؟ لماذا لا نسرف فى تلك المنتجات التى تضمن ربحها منا ونكتفى بحاجاتنا منها التى تحقق لنا الغرض الحقيقى من الدراسة الدينية وسماع العظات والخُطب ونعطى الباقى من هذه المبالغ المهدرة لبيوت الزكاة وصناديق التبرع بالكنيسة أو حتى لمستشفيات الأورام وعلاج الأطفال أو لصالح الإنتاج الحربى أو لصالح صندوق تحيا مصر وأعمال الخير المختلفة ومساعدة الدولة لصالح المشروعات القومية الخيرية ومواجهة الإرهاب وإيواء أُسر تضررت إبان الحرب على الإرهاب. لماذا لا نصفع المستغلين من تلك التجارة على وجوههم ونعلم أن أصل الدين وغايته هو عدم الإسراف وترشيد الاستهلاك وعدم المغالاة، بل مساندة البسطاء ومساندة الدولة فى مساعدة غير المقتدرين مما يرتقي بالمستويات الروحية الدينية ومستويات جودة حياة المواطن.