رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملازم أول مقاتل أحمد فوزي عمارة.. تمام يا فندم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما أكون قد صادفت أحمد، وهو طفل يلهو بين يدى أمه وأبيه، الطفل أحمد الذى صار فيما بعد ملازمًا أول صاعقة مقاتل، أحمد الذى كتب له القدر موعدًا مع البطولة عندما تقرر مشاركته فى العملية الشاملة بسيناء ٢٠١٨ لمحاربة الإرهاب وقطع دابره من على أرض المحروسة، أحمد فوزى عمارة إبن الإسماعيلية الذى استشهد يوم الثلاثاء الماضى الموافق ٢٧ فبراير استطاع باستشهاده أن يجمع شمل مدينة بأكملها لتخرج فى جنازته بالزغاريد والهتاف لتودعه إلى مثواه الأمين فى مقابر المدينة.
من تابع جنازات الشهداء فى كل محافظات مصر سيعرف أن الشهداء هم الأبقى وهم الأصدق، تتشابه تلك الجنازات بالريف والمدن، ينصهر المشيعون الكل فى واحد، هى ذاتها رنة الزغرودة المصرية الأصيلة، وهو ذاته الهتاف المقدس «لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله»، وهو ذاته الوعد والعهد بالقضاء على الإرهاب وتحرير مصر كاملة مهما كان الثمن. أحمد الذى ربما قابلته طفلًا بيد والدته التى تعمل قريبًا من بيتى فى الإسماعيلية الموظفة بمشروع تطوير حى السلام «مدام شفيقة» صاحبة الخدمات الجليلية لكل سكان الحي، والتى كان يناديها صديقى مجدى عبدالله المحامى بقوله «عمتى شفيقة»، أحمد الذى استشهد لينفطر قلب الأم وينكسر ظهر والده فوزى عمارة ابن عائلة عمارة المعروفة بالإسماعيلية لهم منى صادق العزاء.
وما بين الانفطار والانكسار ينجح الشهيد فى جبر خاطر الوطن، ولم شمل أبناء المدينة، فى الجنازة التى شقت الشوارع لتعلن رسالة بلسان فصيح من الجيل الجديد، جيل أحمد فوزى عمارة إلى جيل غريب تومى ورفاقه الفدائيين أبناء الإسماعيلية، الذين واجهوا الاحتلال الإنجليزى قبل عشرات السنين، مضمون الرسالة واضح كالشمس أن هذه البلاد لها أصحاب قادرون على الدفاع عنها، مهما تعثرنا فى الطريق بسبب غيوم الفساد فى بعض الفترات، إلا أن أبناء مصر من زمن غريب تومى إلى زمن أحمد فوزى عمارة قادرون على تبديد تلك الغيوم وفتح الطريق واسعًا من جديد.
أحمد شهيد الصاعقة كان من الممكن له بحكم النفوذ العائلى ألا يكون ضمن الكتائب التى تحارب الآن فى العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، عمه عضو مجلس النواب صديقنا أشرف عمارة، وكبير عائلته هو الوزير المشهور عبدالمنعم عمارة، كان من الممكن لأحمد أن يفلت بطريقة ما من الموت، ولكن هذا لم يحدث، وبكل الحسم لم يتدخل أحد من عائلته لكى يتم استثناؤه من السفر لسيناء، وبكل شفافية ونزاهة لقادة العملية سيناء ٢٠١٨ لم يتم التمييز بين مجند وآخر بين ضابط وآخر، لذلك أعرف أن النصر حتمي، وهنا بالتحديد يتعالى قدر شرف الشهيد.
الإسماعيلية شهدت جنازات مهمة كثيرة، لسياسيين ورجال أعمال ومبدعين فى مجالات مختلفة، ولكنها أبدًا لم تشهد مثل جنازات الشهداء، يقترب الجميع ليحظى بشرف ملامسة - مجرد ملامسة - النعش الطاهر، الدموع تنكفئ إلى الداخل، وهذه هى أصعب أنواع الدموع، الشاب الذى يرحل باختياره ليكتب لنا نحن الحياة، والأم التى تودع فلذة كبدها أمانة عند الله لحماية حدود البلاد، والأب الذى كان ينتظر ابنه عكازًا فى شيخوخته، ويفقد العكاز، لا شك أن أجرهم جميعًا كبير.
محبتنا ودموعنا ورثاؤنا لا يمكن لهم أن يعوضوا أسر الشهداء فى ربوع المحروسة، لا يمكن أن تساوى لافتة على باب مدرسة باسم الشهيد حجم التضحية والفداء والفقد والوجع، لذلك نحن مدينون لهم جميعًا، ونعرف أننا لن نستطيع مهما بذلنا من جهد سداد الدين، رحمة الله على الشهيد المقاتل ملازم أول أحمد فوزى عمارة، له المجد والخلود ولنا نحن الصبر والتأمل فى مسيرة الأبطال.