تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أقر وأعترف أنا العبد الفقير إلى الله، بأن قدرتى على فهم الأشياء من حولى صارت محدودة، ويبدو أنها ستظل على حالها محدودة، طالما بقيت أنا على حالى، كما أننى أقر بأن درجة استيعابى لكل ما يجرى على الساحة لا ترقى إلى مستوى قراءته بصورة عميقة، تجعلنى «أبوالعريف»، بمعنى أكثر دقة، لا ترقى إلى مستوى قراءته بصورة علمية رصينة، مثلما يقرأه جهابذة المعرفة وجنرالات الإفتاء فى كل شىء، فلو كانت لدى القدرة على فهم الأشياء، لأصبحت فقيها، بلا منازع، فى كل القضايا الكونية، ولتغيرت نظرتى للكثير من الأمور الحياتية.
ولو أننى كنت واحدا من ذوى العقول المستنيرة، لأصبحت على الأقل، فى طليعة الوكلاء الحصريين للوطنية، بدلًا من البقاء فى صفوف المغيبين، شاردى الأذهان، ممن لا يعلمون علم اليقين، أن الأمم تنهض بإهانة مؤسسات الدولة، وتوجيه الشتائم والسباب لها فى «الرايحة والجاية» سواء بالظهور فى استوديوهات فضائيات الدوحة وإسطنبول، أو التسكع على نواصى الفيسبوك، وفى الحالتين ليس مطلوبا منى أو من غيرى أى دراية بتفاصيل القضية المطروحة للنقاش، لكن المطلوب فقط التشكيك فى كل شىء، فى الحرب الدائرة فى الانتخابات، فى القيادة السياسية، فى المشروعات التى تقام هنا وهناك، فى أحكام القضاء، والأهم من هذا كله، هو إهانة الجيش والشرطة والقضاء واختلاق أى «هرتلات» تؤدى إلى الوقيعة بين الشعب والمؤسسات.
فكل واحد من هؤلاء العارفين بأمور الدنيا والدين، جعلهم الله ذخرا لنا، أصبح خبير زمانه فى القضايا الكونية، وعالم علامة فى كل مناحى الحياة، من الطب إلى العلوم العسكرية، ومن الشأن الاستراتيجى إلى علوم الذرة والفضاء، بل كل منهم صار رفيع الشأن والمقام «خابور»، بما يعنى أن لديه خبرة وفهما عميقا لأبعاد الأمن القومى ومتغيرات السياسة الدولية والعلاقات الإقليمية، الخبرة «دى طبعًا»، تؤهله لانتقاد كل ما تفعله الدبلوماسية المصرية فى المحافل الدولية، وما يفعله الجيش فى سيناء وعلى الحدود الغربية، والأهم من هذا وذاك ما تقوم به أجهزة الأمن ضد المعارضين «أومال إيه الناس دى معارضين مش إرهابيين ذى ما بتقول الحكومة والإعلام» والناس «اللى مش فاهمين حاجة».
هؤلاء الجهابذة، جعلونى أعيش حالة خاصة جدًا جدًا، حالة صوفية ممتلئة بالروحانيات، هذه الحالة لو كنتم لا تعلمون وبالتأكيد لا تعلمون، أخذت بيدى وحفزتنى على إعلان التوبة عن المعاصى والخطايا، أما السبب فى هذا التحول الذى قلب حياتى رأسًا على عقب، فلم تكن نوبة فوقان أيقظتنى من غفوتى، وحرضت عقلى على الفرار من غيبوبته التى يعيش فيها، إنما لأننى أريد أن أفهم وأصبح «أبوالعريف» مثل بقية الجنرالات ذوى الجيوب المتخمة.
لا أنكر أننى أستيقظت على وجهة نظرهم الثاقبة، بأننا أصبحنا فى حاجة ماسة، بل ماسة جدا جدًا للهجوم على الجيش والشرطة بمناسبة وبدون مناسبة، هذه الحقيقة كانت غائبة عن ذهنى وأذهان الملايين على شاكلتى، نتيجة عدم قدرتنا على فهم المتغيرات، وطبائع التحولات الكبرى فى المجتمعات، لذا كان ضروريا وحتميا، ولا بد، من الإقرار والاعتراف بهذه الحقيقة المهمة.
الرؤية الثاقبة فى شكلها ومضمونها، جعلتنى أُجرى حوارا جريئًا مع نفسى، فقد تلبستنى حالة التفاعل الروحانية، سألت نفسى طبعا، يعنى إيه النيابة العامة تتابع صفحات الجنرالات لمنع إهانة الجيش والشرطة؟ طبعًا هذا السؤال يتماشى مع رغبات الطليعة الثورية، ويؤكد فى نفس الوقت أننى أصبحت واحدا منهم، بعدما قررت أتجاوز مرحلة كئيبة فى حياتى، وهى مرحلة عدم الفهم، وجدت أن الوكلاء الحصريين للوطنية ومعهم كل الحق، يرفضون أى كلام عن متابعة أو مراقبة صفحاتهم على الفيسبوك، ولأنهم خبراء فى كل شىء فمن حقهم أن يتحدثوا عن أى شىء ويقولون ما يريدون، أما السؤال العميق الذى غاب عن ذهنى نتيجة عدم إلمامى بفلسفة التطور المذهل فى علم المعارضة، فهو.. هل توجد دولة ديمقراطية فى العالم يحدث فيها مثل هذا الكلام؟.. يعنى حد يتحاسب على شتائمه وسبابه ضد الجيش والشرطة، طيب إذا لم تكن هناك شتائم ضد الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات، تبقى إيه الفائدة من مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها؟ «أومال حطوها من وسائل حروب الجيل الرابع ليه».
المراقبة طبعا، لن تجعل هناك حرية رأى، ولا يصبح لمفهوم حقوق الإنسان أى معنى أو أى قيمة، فحقوق الإنسان تعنى حرية أى واحد فى سب وإهانة أى مؤسسة تخطر على باله، خصوصًا أثناء الحرب، لأن الحرب فى حد ذاتها، وبحسب المنظمات اللى بتدفع، إهدار لحقوق المعارضين، وهذا معناه، بالبلدى كده، إننا فى دولة قمعية، دولة تتعقب وتحارب معارضيها، ومش كده وبس ولا تمنحهم الحق فى أن يصبح كل منهم «أبوالعريف».
زمان قبل نوبة الفوقان وقبل الانضمام لكتائب الوكلاء الحصريين للوطنية، كنت أؤمن بحق أى مواطن، سواء كان شابا حالما أو شيخا عجوزا، فتاة أو امرأة، أن ينتقد النظام ويعارض سياسات الحكومة، إذا كانت معارضة فى الإطار السياسى المشروع، فقد كنت أرى أن حمل السلاح فى مواجهة الدولة إرهاب، وكنت أرى أن التحريض ضد الدولة ومؤسساتها خيانة، لكننى بعدما أصبحت «أبوالعريف» سأعيد قراءة الواقع من جديد، وقطعًا سأسحب إقرارى واعترافى بعدم الفهم، لأن الأمور تغيرت وسأنال رضا الوكلاء الحصريين «اللى فاهمين من أكتر من أى حد فى البلد دى».