حققوا ثروات ضخمة ولكن ماذا سيفعلون بها؟ ما وجهة صرفها، هل من قدرة على التصرف بها؟!
اجتاحت مصر فترة الانفتاح الاقتصادى الذى بشر به السادات وحتى فترة حكم مبارك، موجات متلاحقة من الثراء المشروع وغير المشروع، وأخذت الأرقام المتداولة والمبالغ المعروفة تثير جدلا واسعا بين شريحة كبيرة من الرأى العام، لكن ليس المساهمة وجزء من هذه الثروات لرفع المعاناة عن كثير من الناس، أكثر أهمية من محاولات زيادة هذه الأموال، وهو جزء من التمتع بهذه الثروة وأيضا للمحافظة عليها، وهذا الجزء أكثر أهمية من كسبها.
بعض الذين سخروا وخصصوا أوقاتهم فى الخدمة لا من خدمة الناس بل أن يكون الناس فى خدمتهم.
وأدت خدمة الناس إلى اغتناء الكثير وأيضا إفقار الناس، ولكن ما الفارق بين فقير لا قدرة له على تحقيق ثروة وبين ثرى لا قدرة له على التمتع بثروته؟
لقد فات الكثير من أصحاب الثروات أن يرتبوا لأنفسهم شكلا أو نظاما يسمح لهم بأن يستهلكوا ما جمعوه من أموال غير مبالين أو مهتمين بمسئوليتهم الاجتماعية تجاه الناس ووطنهم.
ننظر إلى بعض الأثرياء وأصحاب الثروات أين هم اليوم، وأين هى ثرواتهم، وما الفارق بينهم وبين معدومى الحال؟
واستطرادا ماذا يفعلون بثرواتهم المسجل جزء منها بأسمائهم شخصيا أو بأسماء زوجاتهم، أو أقاربهم، وفى بعض الأحيان تم إيداع هذه الأموال أو تهريبها إلى بنوك سويسرا أو تم تسجيلها بأسماء سكيرتيراتهم.
الغريب أنه فى بعض الأحيان طارت هذه الثروات بسرعة تعادل السرعة التى جمعت بها، وهؤلاء من جمعوا هذه الثروات كلما كسبوا أو سرقوا قالت جيوبهم هل من مزيد؟
وملفات التحقيقات مليئة بالأوراق عن الحسابات غير المشروعة والثروات، وأصحاب هذه النماذج تمتلئ بهم صفحات الإعلانات، وأخبار المجتمع، وهم يتباهون بالثراء والحفلات الخاصة التى تقام فى فيلل يملكونها فى منتجعات، والبعض الآخر يتباهى بامتلاكه الكثير من العوامات، وأكثرهم قد حققوا ثرواتهم من تجارة الأراضى و«تسقيعها»، والحصول على أراض لاستصلاحها وزراعتها، وبعد فترة يتحايلون على القانون ويتم هذه الأراضى لأراضى بناء، ليتم إقامة منتجعات سكنية عليها أو بيعها على أنها أرض بناء.
اللافت فى مسألة الثروات أن الرأى العام يعرف كل الحقائق عن الأثرياء وأصحاب الثروات، ويتداولها فيما بينهم، ويرصد ويفرز ويفرق بين الثرى الذى يقوم بدور اجتماعى ويقيم مشروعات لإتاحة فرص عمل أمام الشباب، ويتبرع لبناء مستشفى أو مدرسة، وبين من هو يتهرب من الضرائب، وواجبه تجاه مجتمعه، وما يشغله فقط تعليق اللافتات، وإقامة الموائد والحفلات لكبار القوم لتسهيل أعمالهم، وللاتفاق على الصفقات سواء المشروعة أو غير المشروعة.
بعيدا عن كل هذا وترتيبا عليه، نظرا لما يمر به الوطن من مخاطر ومؤامرات وتكالب من العديد من القوى الأجنبية التى تعمل على ضرب مصر واقتصادها، يجب أن يتكاتف الجميع وأن يصطفوا وراء القيادة السياسية التى لا تضيع دقيقة واحدة إلا فى سبيل إعلاء الوطن بإنشاء وبناء المشروعات الكبرى، برؤيا أمنية واقتصادية، كما تم مؤخرا فى افتتاح مدينة العلمين فى أطراف الدولة على الحدود الغربية.
وهذه الرؤيا التى تتبناها الدولة، تستوجب من كل أبناء الوطن خاصة أثرياءها المساهمة فى هذه المشروعات الكبرى لأن تأمين حياة إنسان وأسرته هو أساس لبناء الوطن وحمايته.
حتى اليوم كثير من أصحاب الثروات نيتهم جيدة وعزمهم أكيد، فى دعم مشروعات والتبرع لها، لكن هل من خطة لهذه الإسهامات والتبرعات، والمشروعات الأولى والمساهمة فيها، والحوافز التى ستقدم لأصحاب هذه التبرعات؟ وهى على الأكثر حوافز معنوية.
هذا مسار يجب أن يتابع، خصوصا فى هذه المرحلة التى تتميز بالجدية والسرعة لإنجاز العديد من المشروعات الكبرى حماية للوطن والناس وعلى رأسهم أصحاب الثروات الذين هم الأكثر استفادة من الاستقرار والأمان، الذى بدوره يهيئ جو العمل والاستثمار وزيادة الثروات.
وإذا تطلعنا فى سلم الأوليات لتلك المشروعات التى يجب أن يساهم فيها الأغنياء:
أولا - تعمير سيناء التى تعتبر جوهرة جغرافية، تطل على بحرين «المتوسط والأحمر» ويمكن أن تتحول إلى درة التاج لمصر كلها سواء فى الزراعة، الصناعة، الموارد الطبيعية «غاز، بترول، معادن»، فهى أهم من سنغافورة أو هنج كونج فقط هى تحتاج إلى الاستثمارات وضخ الأموال، حتى تكون فى نفس الوقت سدا منيعا ضد الإرهاب وكل الطامعين الذين يتربصون بمصر، وهم يستعدون الآن «أمريكا وإسرائيل» لإجراء مناورات عسكرية فى صحراء النقب.
ثانى الأولويات – شهادة أمان المصريين، التى أطلقها الرئيس السيسى الأسبوع الماضى خلال افتتاحه مدينة العلمين الجديدة، وهذه شهادة ادخار تقدم مع وثيقة تأمين على الحياة، يتم صرف عائدها من خلال بطاقة الدفع مقدما فى المرحلة الأولى.
ثالث الأولويات السكة الحديد التى تحتاج ٢٥٠ مليار جنيه كما ذكر الرئيس السيسي، حتى يتوقف نزيف الدم المصرى على قضبان السكة الحديد، وتجديد الشبكة بالكامل.
ليس هناك من أحجبة وألغاز فى أن يقوم أصحاب الثروات فى بناء بلدهم وتخفيف الأحمال والأعباء عن ميزانية الدولة، والقيام بدورهم الاجتماعي.
ماذا يفيد صاحب الثروة من أن يكون واحدا من أغنياء العالم، وبلده فقير وضعيف وأهل وطنه يعانون من الكثير من المشاكل المعيشية؟
إن الدور الاجتماعى لأصحاب الأموال، هو جزء كبير من حب الوطن، وأيضا تأمين لأسرهم والمحافظة على أموالهم ومشروعاتهم.
السؤال الذى يطرحه الناس هل الإرهاب يفرق بين غنى وفقير، أو بين صغير وكبير، أو بين مسلم ومسيحي؟ فى وسط كل الظروف التى تعيشها مصر، لا بد أن تكون المصلحة العليا للوطن ومصالح الناس هى الأهم.
محور هذه المصالح أن يتحمل الأثرياء بعض هموم الوطن وهذا أمر طبيعي، وغير الطبيعى أن يقفوا متفرجين على ما يحدث للوطن من أزمات وعثرات.
لا بد من مكافأة الشعب الذى تحمل ما لم يتحمله شعب آخر، فى سبيل قوة وإعلاء الوطن ومساندته له وقت المحن، بتوزيع الأعباء كل حسب دخله وثروته، وإلا سيستمر ليل الظلم والظلام فى عز النهار.
واضعين فى الاعتبار أن موازين العالم والشرق الأوسط مرشحة إلى عدم التوازن، بعد خطاب بوتين وتصريحه بأن أى تهديد لروسيا فى أى مكان سيقابل بالسحق، وأى تهديد لحلفاء روسيا هو تهديد لروسيا.