الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

يقظـة مصــر الحديثة "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد الدكتور محمد رفعت باشا، واحدًا من المؤرخين المصريين البارزين، حيث كان مسئولا عن وضع كتب التاريخ المصرى فى وزارة التربية والتعليم حتى بعد قيام ثورة ١٩٥٢، وعمل مستشارًا فنيًا للدكتور طه حسين، عندما كان وزيرا للتربية والتعليم، استمر فى كتاباته ذات الطابع التاريخى والجغرافى إلى أن رحل عن عالمنا فى عام ١٩٧٥ عن ٦٧ عاما، وضع كتابه «يقظة مصر الحديثة» فى عام ١٩٤٧ باللغة الإنجليزية، ونقله إلى العربية حديثًا السفير عبدالله الأشعل، وصدر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٧.
ويتناول الدكتور محمد رفعت باشا تاريخ مصر منذ دخول الحملة الفرنسية مصر بقيادة نابليون بونابرت، فيذكر بقوله: «فى هذا اليوم الحادى والعشرين من يوليو ١٧٩٨، وقف كل من الطرفين فى مواجهة الآخر. وتقدم المماليك أولًا وعلى رأسهم مراد لكى يثبت أنه على مستوى المناسبة. أما الفرنسيون فقد ناوروا لإبعاد المماليك عن دفاعاتهم العالية والدفع بهم نحو النهر أو الصحراء فى الجنوب. 
وكانت معركة غير متكافئة، مبارزة بين النيران والصلب من ناحية، وبين الحصان والسيف من ناحية أخرى، بين الانضباط الجماعى والشجاعة الفردية، بين العلم المدروس والاندفاع التلقائي. 
وكانت موقعة إمبابة أو موقعة الأهرامات- كما يحب الفرنسيون أن يطلقوا عليها- لا شك فيها، بل إن السكان الذين تجمعوا على طول شاطئ النهر كانوا ينتظرون فقط العلامة الأولى للهزيمة حتى يفروا بممتلكاتهم من الغزاة.
وقد أدرك المماليك أنفسهم أنهم أمام جيش قوى ببنادقه وتكتيكاته وتشكيلاته التى لا يعرفون عنها شيئًا، وأن شجاعتهم الفردية ومهاراتهم فى الفروسية لن تفيدهم كثيرًا. فلا عجب إذن أن مراد وإبراهيم -وهما زعماء البلاد- قد أعدوا للفرار حتى قبل أن تبدأ المعركة. 
وفى ذلك اليوم انهارت قوة المماليك إلى الأبد. وتبع مراد ٤٠٠٠ من ١٢٠٠٠ من المقاتلين تحت جنح الظلام إلى الصعيد. أما الباقون فقد قتلوا فى المعركة أو غرقوا فى النيل وهم يحاولون إنقاذ أنفسهم. أما صدى هزيمة المماليك فقد ترددت عبر النهر مثل صدى الموت. ذلك أن إبراهيم بك الذى كان ينتظر بفارغ الصبر مع الباشا التركى ومجموعة من الوجهاء لم يضيعوا وقتهم شمالًا ومعهم أكثر من ١٠٠٠ من أتباعهم. أما القاهريون فكان حالهم يرثى له، لأن زعماءهم قد نجوا بأنفسهم تاركين وراءهم مساكنهم ومفروشاتهم وأمتعتهم، بل وتبعم عامة الناس فقد هربوا إلى الصحراء، فخرج عليهم قطاع الطرق من البدو وجردوهم من أمتعتهم وأعادوهم إلى المدينة مرة أخرى شبه عرايا، وانطلق اللصوص إلى المحلات والبيوت ونهبوا كل ما وجدوه.
أما أرض المعركة، فقد كانت مغطاة بجثث عشرة آلاف من المماليك والأتراك والمصريين، وعلى النهر اشتعلت نيران السفن وامتدت ألسنة بوهجها المخيف على جوانب الأهرامات، وطفت جثث المماليك الشجعان فى النهر، حيث غرقوا وهم يحاولون عبور النهر على خيولهم، ثم جرف التيار جثثهم التى نشرت أخبار هزيمة المماليك.
«وقد بدا أن البنيان الاجتماعى والسياسى كله للأمة قد انقلب رأسا على عقب بالانتصار الفرنسي. فقد اهتز كل شىء عدا إيمان الناس بالإسلام، والله الذى عاقبهم على خطاياهم بأن قيض النصر عليهم للفرنسيين الكفار، وقد تآكل النسيج الكامل للحكومة بمجرد لمسة من الفرنسيين. ورفض الحاكم التركى أن يستمع إلى رجاء نابليون له بأن يبقى وترك القاهرة فى يد الزعيم المملوكى إبراهيم بك ورجاله، كما فر الباقون فى كل الاتجاهات، ولكن تبع معظمهم مراد بك إلى الصعيد، وحاول أن ينظم فى شكل حرب العصابات ضد الغزاة الذين كانوا يحاولون احتلال الصعيد». 
أما قاضى القضاة التركى فقد فر هو الآخر إلى سوريا، كما تخلى الموظفون المدنيون الأتراك عن وظائفهم ولزموا بيوتهم، ولم يبق فى الأرض سوى الفلاحين الذين ارتبطوا بالأرض ولم يشعروا بأى أثر سياسى لما حدث.
وكان الأقباط ومعظمهم من الفلاحين. وقد عهد إلى بعضهم من جانب الأتراك والمماليك بقياس الأرض والمحاسبة وحفظ الدفاتر. وأما التجار فى المدن الكبرى وزعماء النقابات التجارية وشيوخ الأزهر وهم المصريون الوحيدون الذين كان لهم أثر فى تلك الأيام؛ فقد وجد شيوخ الأزهر مثل رجال الدين فى العصور الوسطى القوة والثورة فى ممارسة وظائفهم.