تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ثمة سؤال مهم ومخيف! ما جدوى حياة الإنسان؟! البعض يهربون منه، آخرون يرتبكون ويفزعون منه، قليلون يجتهدون فى الوصول إلى إجابة راجحة، هذا النوع الأخير هو وحده الذى يحصد ثمرة تسعده، ترضيه، تقضى على شعوره بالتفاهة، ربما تكون تلك الثمرة هى مجرد العمل، مجرد المحاولة، التى تجعل حياته لا تتسرب من بين يديه، بل تصنع من وجوده شيئًا مبهجًا وممتعًا.
كان «نيكولا» كاتب قصة ورسام موهوب، يشعر بالتعاسة والاكتئاب بسبب حساسيته الشديدة التى تدفعه نحو الصدام العنيف بصخرة الحياة، فقدان التوازن أمام عقاباتها الشائكة؛ لأن الناس دومًا يسيئون فهمه، لكن الفنان الكبير «أنطون تشيكوف» لم يترك أخاه، بل قال له: حطم اليأس، وعُد إلى الحياة، إن كل لحظة من حياتك لها قدرها! لكنه لم يستطع العودة، قاده الإستسلام إلى الانهيار ثم الموت، دون أن يكتشف روعة الحياة.
إن كلًا منا يمكن أن يصبح «نيكولا» فى لحظة ما، ربما تكون قصيرة، أو تستغرق حياته كاملة، إنه انتحار مُتعمَّد يحدث على مراحل، لكنه فى النهاية هروب من مواجهة الحياة، كراهية لها، بحث دائم عن الغياب عنها.
يسقط العديد من الناس ضحايا لمرض واحد هو تقدير الطلاء الخارجى، إهمال النقاء الداخلى، إهدار الطاقة الإنسانية؛ الإمكانيات، الوقت، المشاعر، الصحة، بطريقة آلية متكررة! حتى يتراكم الغبار فى القلب، يصير العقل ساعة متهالكة مكسورة، يصبح الإحساس عاجزا.
أخضع «تشيكوف» نفسه لمراقبة مستمرة، دقيقة، قاسية، شطر نفسه إلى شخصين، أحدهما يرشد الآخر، يشير إلى عيوبه، بلا خوف، بلا مجاملة! هى تلك الحكمة العظيمة التى تنسجم مع الطريق الذى فتحه أمامنا كل العظماء فى العالم، أو بداية التغيير الحقيقى نحو حياة أكثر جمالًا وتناغمًا، رغم عدوان الإحباط والخوف والحزن.
يقول المفكر الأمريكى «تشارلز فرانكل»: يتميز العصر الحديث بالتبديد الهائل للقوى البشرية، فالشخص إذا لم يقم بحراسة حياته، سيكتشف بعد عدة سنوات أنه أضاع عمره، استهلك حيويته فى الأشياء الفارغة العاجلة، التى يزخر بها عصرنا مثل؛ تبادل كلمات المجاملة مع أفراد لا تربطه بهم علاقات عميقة، الجلوس الدائم على المقهى، تدخين السجائر، ثم تدفعه الحياة إلى التركيز على أهداف أرقى قليلًا، تبتلع كل حياته، بل تسرقها مثل؛ شراء سيارة، بناء بيت، أشياء أخرى مثل؛ استهلاك الفتاة معظم وقتها فى هوس التسوق، شراء الملابس والأحذية والحقائب والإكسسوارات، الركض وراء صيحات الموضة، أدوات التجميل، أحدث تسريحات الشعر، الثرثرة مع الصديقات، دوامة الانغماس داخل المطبخ!
نتيجة مؤسفة أن يكون حصاد الرجل والمرأة فى الحياة مقصورًا على هذه الأشياء، بلا طعم، بلا معنى! لكن أغلبية من يكتشفون تلك الأزمة، يندفعون إلى الهرب منها؛ ربما لأنهم يرون الحياة لا قيمة لها، الأمل لا وجود له! ومن ثم يقعون فى مشكلة أخطر وأعمق، هى البحث عن مسكن أو مخدر، وكلاهما سلاحان يؤديان إلى تدمير ذواتهم.
إن الدرس العظيم الذى نتعلمه من «تشيكوف» هو احترام وتقدير كل ثانية فى عمرنا، حراستها بإخلاص وأمانة، اعتبارها نسيجاً متسعاً ومتكاملاً، يجب أن نضع فيه كل يوم ولو «غرزة» واحدة، نطرد المشاعر السلبية والكئيبة والمُتدنِّية، كما نقص أظافرنا الطويلة! لأن سقوط الإنسان المميت، يحدث فى اللحظة التى يتحول فيها إلى شخص ناجح وعملى بمنطق أولاد السوق، يعبد مطامعه الصغيرة الرخيصة، يعتقل كنوزه الثمينة، رغم أنها أنقى وأعذب وأشرف وأصدق ما فيه!