قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومصادر إن قوات الحكومة السورية شنت هجوما بريا على مشارف الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة أمس الأربعاء؛ سعيًا للسيطرة على مزيد من الأرض رغم خطة روسية بشأن هدنة لمدة 5 ساعات يوميًا.
وقُتل المئات في حملة القصف المستمرة منذ 11 يومًا على الغوطة الشرقية التي تضم بلدات ومزارع على أطراف دمشق، وهي آخر معقل كبير للمعارضة قرب العاصمة.
والهجوم هو واحد من أعنف حملات القصف في الحرب الأهلية السورية التي تقترب من عامها الثامن.
ووافق مجلس الأمن الدولي، الذي يضم في عضويته روسيا أقوى حليف للرئيس السوري بشار الأسد، على قرار يوم السبت الماضي يدعو لوقف إطلاق النار 30 يوما في عموم سوريا للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، مع استثناء بعض الجماعات المتشددة، لكن القرار لم يطبق وتقول موسكو ودمشق إنهما تحاربان الجماعات الإرهابية المستثناة من القرار.
ودعت روسيا بدلا من ذلك لهدنة محلية مدتها خمس ساعات يوميا لفتح ما تسميه ممرا إنسانيا حتى يتسنى دخول المساعدات للجيب وخروج المدنيين والمصابين منه.
وبدأت أول هدنة من هذا القبيل يوم الثلاثاء لكن سرعان ما انهارت عندما استؤنف القصف بعد فترة هدوء قصيرة.
ولم يجر تنفيذ ضربات جوية خلال هدنة الساعات الخمس، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن القصف العنيف استؤنف في الظهيرة، ولم تكن هناك مؤشرات على دخول شحنات المساعدات المنطقة المحاصرة.
وذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء أن روسيا تمكنت من إجلاء ”مجموعة كبيرة“ من المدنيين من الغوطة الشرقية وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ساعد في التوصل لعملية الإجلاء.
في غضون ذلك نقلت وكالة أنباء الأناضول عن المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم كالين قوله، إن إردوغان طلب إجلاء نحو 700 شخص من الغوطة الشرقية قبل شهر.
وأضاف كالين أن روسيا أبلغت تركيا أن المدنيين نقلوا إلى جنوب دمشق بعد ذلك بأسبوع، على الرغم من طلب أردوغان تلقيهم العلاج في تركيا.
وقال المرصد السوري الذي يراقب الحرب من مقره في بريطانيا إنه لا يستطيع تأكيد ذلك.
وتحمل موسكو ودمشق المعارضة مسؤولية انهيار الهدنة، وتقولان إن مقاتليها قصفوا طريقا آمنا مخصصا للمدنيين الذين يرغبون في مغادرة المنطقة.
وينفي مقاتلو المعارضة ذلك ويقولون إن السكان لن يرحلوا من الغوطة الشرقية لأنهم يخشون الحكومة.
وذكر المرصد أن قوات الحكومة تقدمت في منطقة حوش الضواهرة على الطرف الشرقي من معقل المعارضة المحاصر.
وأفاد المرصد بأن القوات الحكومية حققت تقدما في المنطقة ووصف ذلك بأنه استئناف لهجوم بدأ يوم 25 فبراير، مضيفا أن مقاتلي المعارضة كبدوا القوات الحكومية خسائر فادحة.
وقال مسؤول في واحدة من الجماعات المسلحة بالغوطة الشرقية إن المقاتلين يحاربون للتصدي لمحاولة توغل حكومية ووصف المعركة بأنها "كر وفر".
وذكر قيادي في التحالف العسكري الذي يدعم الأسد أن وحدة خاصة من القوات الحكومية السورية تسمى (قوة النمر) تشارك في الهجوم وأنه جرى تحقيق تقدم.
ودعت وزارة الخارجية الفرنسية روسيا وإيران، الحليفة العسكرية الأخرى للأسد، لممارسة ”أقصى قدر من الضغط“ على الحكومة السورية لتطبيق وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما.
لكن في ظل عدم وجود مؤشرات على ضغط دولي حاسم لوقف الهجوم، فإن الغوطة الشرقية في طريقها على ما يبدو لأن تلقى مصير مناطق أخرى استعادتها الحكومة في هجمات مطولة جرى بعدها إجلاء قوات المعارضة والمدنيين في آخر الأمر عقب مفاوضات على الانسحاب.
وتطبق دمشق فيما يبدو أساليب عسكرية مجربة، إذ تجمع بين الضربات الجوية والقصف والهجمات البرية على غرار ما قامت به لاستعادة شرق حلب في 2016.
وقال دبلوماسي غربي كبير إن روسيا عازمة فيما يبدو على تكرار ما حدث في حلب في الغوطة الشرقية بإخلاء المنطقة ثم ”قتل الإرهابيين حتى لو لم يكونوا من جبهة النصرة“.
واتهم جنرال أمريكي كبير موسكو بأنها تقوم بدور كل من ”مشعل الحريق ورجل الإطفاء“ بتقاعسها عن كبح جماح الأسد.
وأكدت مصادر دبلوماسية إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فتحت تحقيقا في الهجمات بالغوطة الشرقية لتحديد إن كانت ذخائر محظورة قد استخدمت.
وتقول الولايات المتحدة إن لديها أدلة على أن القوات السورية استخدمت غاز الكلور، الذي يمكن استخدامه لأغراض مدنية لكنه محظور كسلاح، في هجمات بالغوطة الشرقية ومناطق أخرى.
وقالت روبرت وود المندوب الأمريكي لمؤتمر نزع السلاح يوم الأربعاء إن روسيا خرقت التزاماتها كضامن لتدمير سوريا مخزونها من الأسلحة الكيماوية ومنع حكومة الأسد من استخدام الغاز السام.
ووقعت سوريا في 2013 على المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية في إطار اتفاق توسطت فيه موسكو لتلافي توجيه الولايات المتحدة ضربات جوية ردا على هجوم بغاز الأعصاب أدى لمقتل المئات في الغوطة، وحملت واشنطن مسؤوليته لدمشق.
واتهمت واشنطن دمشق العام الماضي مجددا باستخدام غاز الأعصاب ونفذت سلسلة من الضربات الجوية عقابا على ذلك الهجوم الكيماوي.
وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن سوريا تخلصت من مخزونها من الغاز السام ووصف مزاعم عن استمرار استخدامها الأسلحة الكيماوية بأنها ”سخيفة“.
وأبلغ مسؤول الشؤون السياسية في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان مجلس الأمن يوم الأربعاء أن نطاق الهجمات التي تنفذها الحكومة السورية ضد الغوطة الشرقية ”لا يمكن تبريره فقط على أساس استهداف مقاتلي جبهة النصرة“.
وتابع: ”الضربات الجوية والقصف والهجمات البرية مستمرة. بل إن هناك تقارير عن هجوم آخر بغاز الكلور، وما نحتاجه هو تطبيق القرار 2401 وهذا لا يحدث“.