من المسئول عن تجهيل المصريين وإبعادهم عن صحيح دنياهم ودينهم، ودفعهم للعيش فى عالم «العفاريت والشعوذة»؟
وكيف يمكن تخليص الملايين من احتلال الجن والخرافة وعالم الدجالين والمشعوذين، والتى تشغل مساحة كبيرة فى وعيهم؟
وأين الحكومات التى تراقب أنفاس الناس وتسجل عطاسهم، وتصورهم وهم يتثائبون؟
وأين أجهزة الأمن التى ترصد كل لمحة وخطوة، وتسجل كل مكالمة؟
وأين علماء الدين الذين يملأون الدنيا بضجيج فتواهم واختلافهم الذى ليس فيه رحمة ؟
وأين علماء الإجتماع والطب النفسى من تفشى ظاهرة الدجل والشعوذة التى رصدها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية فى ٢٧٤ خرافة تتحكم فى سلوك المصريين الذين ينفقون ٢٠ مليار جنيه سنويًا، على ترددهم لنحو ٣٥٠ ألف مشعوذ، ليصبح وجود «دجال» لكل ١٢٠ مصريًا؟!
فقد أعاد البعض تداول مقطع فيديو لمجموعة غامضة تطلق على نفسها اسم «كتايب الست» وهى تقوم بعمل سحر أسود لإسقاط الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام منافسه فى الانتخابات الرئاسية المقرر لها نهاية مارس المقبل!!.
ورافق المقطع المصور- الذى حمل عنوان «حقيقة كتايب الست» أصوات لأشخاص يقومون بقراءة تعويذات غامضة تستعين بملوك الجن والعفاريت، مع ظهور لأحد الأشخاص وهو يقلب ورقة فوق موقد تشتعل فيه النار وتخرج منه الأبخرة، ويحرك أصابعه باتجاهات محددة تحمل دلالات معينة.
وظهرت من ضمن لقطات المقطع بومة تقف على الورقة التى تحوى الطلاسم، ثم ظهر ثعبانان يتلويان فوق صورة الرئيس المصري.
وفى لقطة ثالثة تم وضع خفاش مقيد الأطراف على وجه السيسي..وكانت اللقطة الرابعة تتضمن صورة سحلية تقف أيضًا فوق صورة الرئيس السيسى.
وكان اللافت فى صورة الرئيس أنها جسدته بلباسه العسكري، وقد كتبت على جسده آيات من القرآن الكريم مثل: «وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة»، وعبارة «اللهم فرق بين الماء والنار كما فرقت بين اليهود والنصارى»، إلى جانب العديد من الجداول والأرقام والخطوط المبهمة التى لا يفقه تفسيرها إلا المشعوذون أنفسهم!!.
واستمرارًا لهذه الحالة الخطيرة التى وصلت إليها عقول جماعة «الإخوان «ومن يوالونها.. باتت هذه الخرافات الحل الوحيد الذى يلجأ إليه الناس لحل أزماتهم مع ارتفاع تكاليف المعيشة ولهيب الأسعار الذى يشوى الوجوه والجيوب، واستطلاع المستقبل الذى لا يحمل بادرة أمل وسط غيوم احتكارالفرد الواحد للسياسة والاقتصاد والإعلام والقرار، علاوة على قضايا تأخر سن الزواج وعدم الإنجاب والعقم أو فك السحر والأعمال، ونتائج مباريات كرة القدم، وفوز مرشحو البرلمان والرئاسة؟!
وتلقفت الفضائيات ومواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، هذا الاهتمام بهذه الظاهرة التى لم تقتصرعلى المستويات الشعبية، وإنما امتدت لتشمل مستويات تعليمية عالية، وباتت ظاهرة عابرة لكل المستويات الاجتماعية والتعليمية بشكل لافت للنظر ومثير للانتباه، ومازالت بعض وسائل الإعلام تكشف لنا عن علاقات مشبوهة بين ساحر ورئيس دولة أو ملك أو أمير أو وزير، أو استعانة الفنانين بـ«الدجالين» لخطف الأدوار أو الاستمرار فى النجومية والتألق!!
كما رحنا نسمع قصصًا تروى عما يعرف بـ «البيوت المسكونة بالجنّ»، والحرائق المشتعلة فى بعض القرى، والتى أصبحت مادة ثرية لبرامج التوك شو، وغير ذلك من التعاويذ والأحجبة التى تدهن بدماء خفافيش أو تكتب على لية خروف أو على رأس قرموط أو ذيل قطة أو لوح عظمة الكتف لأى ذبيحة، ويقبل على هذه الممارسات الكثير ممن يعانون من أمراض نفسية أو أصيبوا بأوهام وهواجس!!.
و لم يخل الأمر من «بدع» مثل استخدام كائنات غير إنسانية للتنبؤ بنتائج بطولات كأس العالم كما كان الحال مع «الأخطبوط بول» الذى وصف بعراف مونديال جنوب أفريقيا، فيما ظهرت أسماء أخرى كالسلحفاة البحرية «بيج هيد» أو «الرأس الكبيرة» و«الباندا ميمي» والفيل «نيللي»!!
ولعل تحميل مرتضى منصور «السحرالأسود» فى هزائم ناديه الزمالك «الست» حتى الآن، متهما ممدوح عباس وأحمد سليمان بعمله للفريق من أجل الانتقام منه شخصيا، من أكثر ما يلفت النظر تجاه هذه الخرافات والمبررات التى تلفت النظر- رغم سخريتها- الجماهير المصرية بمختلف ميولها.
إن ما يحدث للمصريين الآن يتشابه مع فعله اليهود من قبل بنبذهم كتاب الله، واتبعوا كتب السحرة والمشعوذين التى كانت تقرأ من قبل فى مملكة سيدنا سليمان عليه السلام، وذلك عندما كان الشياطين يسترقون السمع ثم يضيفون إلى ما سمعوا أكاذيب كثيرة يلفقوها ويؤلفوها ويقولونها للكهنة الذين زاد نفوذهم لدى بسطاء المواطنين.
وقد انتشر ذلك فى زمن سيدنا سليمان حتى قالوا إن الجن يعلمون الغيب، وأن ملك سليمان وتسخير الجن والأنس والطير والريح من علمه بالسحر، فابتلاهم الله بأن أنزل ملكين «هاروت وماروت» يعلمونهم السحر، وليميز أصحاب العقول بين «السحر» و «المعجزات»، وإظهار الفرق بين «علم الأنبياء»، وبين كلام «السحرة والمنجمين»!!