لقد تطورت علاقة المخابرات الأمريكية بجماعة الإخوان على مدار سنوات نشاط الجماعة، فأول لقاء معروف لنا كان بين الإمام حسن البنا والسفير الأمريكي إيرلاند سنة 1947 عندما طلب السفير مقابلة الإمام في مقر الجماعة، فطلب منه حسن البنا عدم الحضور إلى المقر حتى لا يثير حفيظة الإخوان وعرض حسن البنا أن يذهب هو بنفسه إلى منزل السفير الأمريكي في حي الزمالك، وقد سمحوا له بذلك فاصطحب معه «محمود عساف نائبه ومترجمه للغة الإنجليزية»، وملخص هذا الاجتماع أنه تمت صفقة بين السفير الأمريكي وحسن البنا ملخصها كما قاله السفير الأمريكي في آخر الاجتماع: «علينا أن نتعاون في مكافحة اليسار والفكر الاستراتيجي والشيوعي أنت بالرجال والمنابر والأعلام ونحن- أي السفارة- بالمال وإلى أن قتل حسن البنا كان الاتفاق ساريا، السفارة تنفق على جماعة الإخوان بشيكات شهرية تصل إليهم للنفقة على الجماعة حسب الاتفاق الذي تم في حي الزمالك.
ثم يحكي لنا التاريخ عن الصفقة الثانية بين الإخوان والأمريكان بعد اندلاع الثورة الإيرانية وانتصارها على حليف أمريكا القوي شاه إيران وخرجت أمريكا بنفوذها من إيران على يد الثورة خروجا مذريا.
فقد أرسل الإخوان عن طريق "منير الدلة" عضو مكتب الإرشاد في ذلك الوقت، رسالة إلى الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" يحذرون فيها من الخطر الشيعي وتقول الرسالة إن الخطر الأسود على مستقبل أمريكا في المنطقة أكبر وأخطر من الخطر الأحمر، يقصدون بالخطر الأسود "الشيعة" والخطر الأحمر "الشيوعية"، وبالفعل استجاب الرئيس كارتر لهذه الدعوة وعقد لقاءً بينه وبين قيادات من الجماعة وبعض الممثلين الإسلاميين الداخليين بأمريكا، وسمح الرئيس الأمريكي للإخوان بإنشاء مكتب اتصالات لهم وتم أعطاؤهم منحة مالية وحرية في ممارسة أنشطتهم في الولايات المتحدة.
ثم الصفقة الثالثة عندما وقعت الحرب الأفغانية وعندها وافق الأمريكان على دعم الإخوان بالمال والمستشفيات الميدانية، ولما كان الإخوان لا يدخلون معارك حربية في أفغانستان فكان يتم إيصال السلاح للمجاهدين وكنتُ واحدًا منهم عن طريق إما «حكمت يار» زعيم الباشتون وإما عن طريق مكاتب هيئة الإغاثة الإسلامية في السعودية "مدينة جدة"، وكان لها عدة فروع في باكستان كانت تتولى شئون اللاجئين الأفغان ولها فروع داخل أفغانستان تمد من خلالها بما يحتاجون إليه من سلاح وخلافه.
ثم يحكي لنا التاريخ عن اللقاء الرابع على لسان عصام العريان الذي ذكره في جريدة "الحياة" اللندنية بتاريخ 1/3/2009 أقر فيه بأنه كان هو ومأمون الهضيبي يلتقيان بالسفير الأمريكي «فرنسيس» وإن بعض هذه اللقاءات قام بترتيبها الدكتور «سعد الدين إبراهيم» مدير مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية – واستمر عصام العريان بقوله إن هذه اللقاءات تم وقفها بعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001، ولكن الحقيقة أنها توقفت أيضا بسبب اعتراض الرئيس المخلوع حسني مبارك على هذه اللقاءات وبعدها قام بعمل قضية اتصالات لعصام العريان وعدد من قيادات الجماعة منهم خيرت الشاطر وتم الحكم عليهم في هذه القضية بخمس سنوات، وبعدها قام نظام مبارك بعمل قضية منفردة لسعد الدين إبراهيم «قضية تخابر» وحكم عليه بالسجن ثم أعيدت محاكمته وحكم عليه بالبراءة.
وعن اللقاء الخامس يحكى لنا التاريخ أنه تم الترتيب له داخل سجن مزرعة طرة بين عصام والشاطر وسعد الدين ابراهم، وقد كان وفد من مجلس حقوق الإنسان العالمي يزور الدكتور سعد الدين إبراهيم وبعد اللقاء ذهب الشاطر ومعه عصام العريان وطلبا من الدكتور سعد أن يفتح لهما خطا مع مجلس حقوق الإنسان ووافقهما الدكتور سعد الدين، ولما خرج الدكتور سعد من السجن وكان قد سبقه عصام العريان حضر لزيارته ومعه وفد من الإخوان لمواصلة الاتصالات وقالوا للدكتور سعد نريد أن يسمع من الأمريكان وجهة نظرنا في كل القضايا المطروحة على الساحة لا يسمعون عنّا من غيرنا وبالفعل رتب لهم الدكتور سعد عدة لقاءات بينهم وبين المسئولين الأمريكان وسأل الأمريكان عن عدة قضايا أهمها قضية السلام السلام مع إسرائيل وتعهد الإخوان بالمحافظة على اتفاقية كامب ديفيد والمحافظة على السلام مع إسرائيل، وأضافوا للأمريكان أنهم سوف يضمنون ويرعون معاهدة سلام بين إسرائيل ومنظمة حماس الفلسطينية ويتعهدون بالسيطرة على باقي الفصائل الفلسطينية المسلحة وهو ما فعله الإخوان بعد وصولهم للسلطة في مصر فقد وقعت حماس مع إسرائيل معاهدة سلام تحت رعاية الرئيس المعزول محمد مرسي وكان في مضمونها أن تتعهد منظمة حماس بإنهاء الاعتداءات والحالة العدائية بينها وبين إسرائيل، فسمت الجهاد المسلح والاعتداءات، كما تعهد الإخوان بإقامة نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب وعدم إقامة نظام إسلامي تطبق فيه الشريعة وطلبوا من الأمريكان ألا ينخدعوا بشعارات الإخوان لتطبيق الشريعة لأنها كلها للسيطرة على قواعدهم في الشارع المصري وتعهدوا بعدم الحصول على سلاح نووي أو تصنيعه وتعهدوا بإدخال تعديلات على الجيش المصري وإنهاء عقيدته القتالية الموجودة حتى الآن ألا وهي «العدو الأول لمصر هى إسرائيل»، والعقيدة الوطنية للجيش هي العداء لإسرائيل ولذلك لا تتعجب عندما يرسل مرسي رسالة إلى الرئيس الإسرائيلي يقول له فيها صديقي الحميم.. أتمنى للشعب الإسرائيلي دوام الأمن والسلام، وعندما أنكر مرسي ذلك كذبا وبسؤال الرئيس الإسرائيلي عن ذلك الأنكار قال: "أنا لا أتعجب من إنكار مرسي للرسالة ولكنني تعجبت من إرسالها بهذه الصيغة".
وهناك لقاء آخر لا يعرف عنه أحدٌ شيئاً سوف أذكره الآن وأمر عليه مرور الكرام ولكن تفاصيله بإذن الله سوف تكون في حلقة خاصة ألا وهو لقاء خيرت الشاطر مع الجاسوس الإسرائيلي «ديفيد» في سجن استقبال طرة عندما كان خيرت محبوسا في قضية سلسبيل و«ديفيد» محبوسا في قضية تخابر مشهورة باسم قضية «فارس مصراتي» وكان خيرت يجلس طوال النهار مع ديفيد في زنزانته أو العكس رغم أن هذا الاختلاط كان ممنوعا وفقا للوائح مصلحة السجون ولكن كان معنا ضابط أمن دولة تستطيع أن تقول عنه إنه رجل منحط اشتراه خيرت الشاطر فأصبح خيرت يفعل ما يشاء في السجن، سوف أذكر اسمه في حلقة مقبلة.
المهم في يوم 8/12/2012 كان عصام الحداد في زيارة للبيت الأبيض في واشنطن في سلسلة لقاءاته مع رجال المخابرات الأمريكية وفي مفاجأة حضر هذا اللقاء الرئيس أوباما شخصيا ومعه ورقة قرأ منها ما يلي: "نريد من جماعة الإخوان فتح خط مباشر مع تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، عن طريق ابن خالته عندكم رفاعة الطهطاوي وأخيه محمد الظواهري".
رد عصام الحداد: "حاضر يا فندم، لما أوصل مصر هبلغ مكتب الإرشاد بذلك"، وعندما وصل عصام إلى مصر أبلغ مكتب الإرشاد بطلب الرئيس أوباما وبعد مشاورات اتفقوا على تلبية رغبات وطلبات الرئيس أوباما وبالفعل اتصل رفاعة الطهطاوي بأيمن الظواهري ثم قال له مع الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية ودار بينهم الحوار الذي نشرته جريدة "الوطن" بتاريخ 8، 9/12/2013 وفيها طلب الدكتور أيمن دعما ماديا ومحاربة الأزهر والعلمانيين والليبراليين الكفرة في مقابل طلب منه مرسي أن يرسل المقاتلين التابعين للقاعدة إلى سيناء لتدريبهم لإرسالهم إلى سوريا.
والحقيقة أن أوباما والإدارة الأمريكية كانت تريد أن تؤمن خروج قواتها من أفغانستان خروجا آمنا، فطلبت من أمير قطر فتح خط مع طالبان وشرائهم وبالفعل حدث ذلك لضمان تأمين خروج القوات الأمريكية من أفغانستان وطلبت من الإخوان فتح خط مع تنظيم القاعدة لهذا الغرض وتفريغ أفغانستان من مقاتلي القاعدة وإرسالهم إلى سيناء.
وقد تعهد مرسي للظواهري بتوفير نفقة وتسليح وإعاشة لكل المقاتلين الذين يصلون إلى سيناء بعائلاتهم مع ضمان أمنى بعدم ملاحقتهم أمنيا، وبالفعل وصلت أعداد من مقاتلي تنظيم القاعدة إلى سيناء وكلفت جماعة الإخوان قوات حماس بالإشراف على المقاتلين في سيناء وتدريبهم وتسليحهم وتوفير الأقامة والإعاشة لهم وتم تعيين القائد الحمساوي «مروان عيسى» مسئول الجبهة المصرية ومعه اثنان من المساعدين الحمساويين هما حسن الغندور وحسن الطباطيبي، وأنشأت ما يعرف بـ«إدارة قوات حماس فرع مصر» وللعلم «مروان غسان» هو القائد الفعلي لكتائب القسام.
كما تم التنسيق مع «ممتاز دغمش» قائد الجيش الإسلامي بغزة من أجل التنسيق مع المقاتلين في سيناء وحضر ممتاز دغمش إلى مصر والتقى بخيرت الشاطر مرتين رغم أنه مطلوب القبض عليه في مصر لاتهامه باختطاف ثلاثة ضباط مصريين وأمين شرطة وقتلهم.
وعندما تم الاتفاق قام خيرت الشاطر بإعطاء محمد الظواهري دفعة أولى بمبلغ قدره 25 مليون دولار لتوحيد الجماعات التكفيرية في سيناء تحت قيادة واحدة وبالفعل حدث ذلك وتم توحيد الجماعات في سيناء تحت قيادة محمد الظواهري وأعلنوا البيعة لأيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة وقد اعترف محمد الظواهري في النيابة بأنه تلقى دفعات من ملايين الدولارات عن طريق خيرت لتجهيز مقاتلي سيناء لقتال الجيش المصري لأنه جيش كافر وأن مصر دولة كافرة وأنشا جماعة أنصار بيت المقدس واعترف بأن أنصار بيت المقدس في سيناء عبارة عن فيلق مقاتل يتكون من 16 مجموعة كل مجموعة تتكون من 16 مقاتلا أي مجموعهم 256 مقاتلاً مع كل مجموعة قائد وشيخ ولهم قائد عام ومفتي عام ليصل تعدادهم في نهاية الأمر إلى 300 فرد عدد أهل بدر حسب زعمهم – هذا بالإضافة لباقي المجموعات المقاتلة التي يتراوح عددها بين 3000 : 4000 مقاتل، بخلاف مجموعات المحافظات وكان أهمها مجموعة محافظة القاهرة الكبرى التي منها من نفذ عملية وزير الداخلية والمقدم محمد مبروك وكان يتزعمها القيادي السابق نبيل المغربي، وهو رجل رزقه الله قدراً من الحماقة لو وزع على ألف لأغرقهم حماقة ولكن والحمد لله قبض عليه واعترف على كل المجموعة 745 مقاتلاً منهم 15 ضابطا سابقا من الجيش والشرطة، كما سقط من هذه المجموعة القيادي السابق محمد السيد حجازي ويعرف في أمن الدولة بأنه «شيخ الحارة» لأنه لديه ذاكرة حديدية وإسهال في الاعترافات وقد اعترف على 120 عنصراً من خلايا المحافظات تم تدريبها في سوريا وشاركت في الحرب السورية.
ونكتفي بهذا القدر وإلى لقاء آخر ولعلك ترى أن هذه الجماعة لم تنقطع صلتها بالمخابرات الأمريكية على مدار السنين.