«قالوا إيه علينا دولا».. كلمات بسيطة جدًا كتبها الجنود أنفسهم، كتبوا النشيد العادى الذى يصرخ به المعلم فى طابور الرياضة الصباحية يرد عليه جنوده بهدف دفع الحماسة إلى شرايين الطابور وبذل أقصى الجهد اللازم لتحقيق الهدف منه.
توجد هتافات كثيرة ومتنوعة فى مثل تلك الطوابير عشت بعضًا منهم حينما كنت مُجندًا بالجيش بداية التسعينيات، أبسطهم النداء بالعدد «واحد نرد خلفه واحد اتنين نرد خلفه حتى يصل رقم أربعة فنقول السطر جملة دون فاصل واحد اتنين تلاتة أربعة».. يحدث هذا، بينما نحن نجرى وأجسادنا ترشح بالعرق، ولأن الكتيبة ١٠٣ صاعقة ليست كأى كتيبة كان لا بد لنشيدها الحماسى من كلمات أخرى ومعانٍ أخرى وهذا ما حدث.
من قلب المعركة فى سيناء، جاءت الرسائل الجديدة فى نشيد حماسى كتبه أبطال الكتيبة أنفسهم، وهى الكتيبة التى كان قائدها قبل شهور معدودة العقيد أحمد منسى، وهو المعروف مع رجاله ببطولتهم الفذة فى المواجهة الرسائل إلى جانب دورها الوظيفى لتشجيع الجنود فى التدريب، جاءت لتذكر بكل وفاء ومحبة أسماء الشهداء واحدًا تلو الآخر، تصف الشهيد بما تميز به بينهم فيقولون: «خالد مغربى دبابة.. بطل وجنبه إحنا غلابة» وعندما تبحث عن صورة الشهيد خالد مغربى تعرف أن مصر أرسلت إلى سيناء خيرة أبنائها، مغربى ضخم الجثة مبتسمًا يستشهد هناك ليمنع تدنيس الأرض المصرية براية داعشية، أما العقيد أحمد منسى فالتفاصيل عنه كثيرة هو قائد الكتيبة الذى استشهد واقفًا لذلك يرد له زملاؤه التحية والمحبة بقولهم «منسى بقى اسمه الأسطورة.. من أسوان للمعمورة».
والمعروف فى المعارك أنه لا فرق بين جندى وقائد عند مواجهة الخصم وعندنا من التجارب فى التاريخ استشهاد الرمز الكبير عبدالمنعم رياض فى الإسماعيلية على الخط الأمامى للجبهة المصرية على شاطئ القناة، وفى سيناء الآن، كما استشهد المنسى استشهد جنود صغار احتفى بهم زملاؤهم فى النشيد تمامًا كما احتفى بالقائد فيقول قائد طابور الصاعقة لجنوده «شبراوى وحسانين عرسان.. قالوا نموت.. ولا يدخل مصر خسيس وجبان» أيضًا يقولون عن العسكرى على «العسكرى على الشجعان.. مات راجل وسط الفرسان».
إذا كان للنشيد دور وظيفى فى التدريب وإذا كان النشيد رسالة وفاء لأبناء الكتيبة ١٠٣ الذين استشهدوا، هل هناك رسائل أخرى، نعم.. ولعل الرسالة الأبرز من وجهة نظرى هى أننا قادرون على مواجهة قبح الدواعش بالغناء، قادرون من خلال تلك الكلمات البسيطة، التى لم يتوقع أصحابها انتشارها بتلك السرعة أن نؤكد انتصار الجمال على القبح، وإذا كان الدواعش لهم نشيدهم المُخنث «صليل الصوارم» فقد جاء الصوت الأجش الخشن الرجولى المبتكر الصادق ليقول «الموت يهوانا.. وقالوا إيه؟».
لا أتوقف عند النشيد كنشيد والسلام، ولكننى أحاول أن أتلمس الأجواء التى صاغوا فيها الكلمات الحالة التى كان عليها أبطالنا، وهم يهتفون به، المساحة الواسعة من المصداقية والحب والإخلاص، والتى انتقلت من النشيد مباشرة إلى قلوب الناس.
النشيد يفضح بكل جلاء مؤسسات الإنتاج الفنية بمصر، سواء كانت ماسبيرو أو غيرها فى القطاع الخاص، مصر ليست عاقر فى الإبداع، ولكن مرض الفساد الذى تسلل كالسرطان نجح فى تقزيم قوة مصر الناعمة، نجح فى طرد الكفاءة وتصدير منعدم الموهبة، لن أذكر أسماء بعينها فى الشعر وكتابة الأغنية، ولن أعدد للمسئولين أسماء عشرات الموسيقيين الوطنيين، فهم يعرفونهم جيدًا وهم بأنفسهم من أغلقوا أبواب الإنتاج الفنى فى وجوهم، ليأتى صوت أبطال الكتيبة ١٠٣ صاعقة، ليفضح الجالسون على مقاعد التحكم فى مصائر الموهوبين فى مصر.