«هذا المقال ليس له علاقة بالواقع وأى تشابه فى الأسماء أو الأحداث ليست مسئولية الكاتب ولكن مسئولية القارئ.. هل سمعتم قبل ذلك عن الرجل الذى أصر على تعليم الغراب الغناء، هذا الرجل أراد أن يفعل شيئا غير مألوف ليلفت إليه النظر، أو ربما ليكتب التاريخ اسمه، لكنه أراد أن ينفذ أول فكرة جاءت فى ذهنه دون دراسة، على الفور اصطاد غراب وأغدق عليه من الطعام والعطف وروضه حتى بات يفهمه بالإشارة، فبدأ كورسات تعليم الغناء، الغراب هو الآخر أخذته الحماسة والسلطنة، وخدع الرجل ونفسه، ثم أمام المحفل الكبير يوم الزينة وقف الرجل يخطب فى الناس أنه حقق المعجزة، واستطاع أن يعلم غرابا الغناء، فتحت الستارة وظهر الغراب، وصفق له الناس جميعًا، فإذا به ينسى ما تعلمه وينعق ردًا للتحية.. بعد أعوام قابل أحد الأشخاص، الذين كانوا فى العرض الرجل، وسأله: «لماذا ضيعت سنوات عمرك فى شىء نتائجه معروفة، أين كان عقلك وأنت تظن أن الغراب سيتعلم الغناء ويكون بلبلًا صداحًا؟ ضحك الرجل، وقال: كنت أحاول أن أفعل ذلك لسببين، أولهما أن يعرفنى الناس بالنجاح، ولم يتحقق، ولكنهم عرفونى بالفشل، وفى هذه الأيام يتساوى الاثنان، ثانيهما أننى سئمت من «ألدو وشاهين»، فأردت أن أطرح اختيارًا ثالثًا وإن كان غرابًا.
صمت الرجل وأغمض عينيه، وقال لهذا الشخص: قل لى ماذا تفعل إذا امتلكك شعور أنه ليس هناك شخص يستحق أن تتبادل معه الكلمات، يا لها من تعاسة أن تظل تفعل نفس الشيء لسنوات.. أنا لست إنسانًا عاديًا أنشغل بالوظيفة والسيارة، أنا أنتظر الراحة من الداخل.. عاود الشخص نفس السؤال: وإنت بعد ده كله وصلت لإيه؟.. ضحك الرجل يأسًا، وقال: أنا آمنت «بوكوفسكي» التى كُتبت على ضريحه، وهى «لا تحاول»، هل تعرف يا صديقى أننى كنت أعمل فى مجال آخر غير تعليم الغربان الشدو، أو إن صح التعبير «الكتابة»، لكن كتابا لذلك الـ«بوكوفسكي» جعلنى أكتب وأكتب، لأن حواجز الكتابة التى وضعها قد حطمتها، فهو قال: إذا جلت تبحث عن الكلمات أمام شاشة الكمبيوتر فلا تكتب، وأنا أكتب وأكتب وأكتب دون عناء البحث.. أكتب من معين لا ينضب.. أكتب وكأنه وحى يوحى إلي.. أكتب بسهولة وصدق.. أكتب لا من أجل المال ولا الشهرة.. لكن حتى المتعة ينازعنى فيها ألدو وشاهين والغراب.. فإما أن أكون موظفًا مثلهم وإما أن أموت جوعًا.