يا سادة.. علينا المرور على حزمة من الحقائق الدامغة التى لا تقبل الشك، أرى وربما يرى كثيرون غيرى أن التأكيد عليها أمر مهم، منها إن لم يكن فى مقدمتها، الحرب التى تخوضها الدولة المصرية الآن، فهى ليست معركة ضد الإرهاب فقط، بل حرب شاملة، تدور مشاهدها على اتساع الخريطة الجغرافية للدولة المصرية من حدودها الشرقية إلى حدودها الغربية والجنوبية، ومن الصعيد إلى الوجه البحرى، ومن البحر الأبيض المتوسط حيث ثروات مصر الاقتصادية من حقول الغاز والثروات الطبيعية، إلى البحر الأحمر، حيث تتجه عيون «العثمانلى» لبناء قواعد عسكرية هدفها تهديد الأمن القومى فى إطار مشروع خلافته الوهمية.
هذه الحرب، إن شئنا الدقة، تتنوع فى أساليبها العسكرية برًا وبحرًا وجوًا، فضلًا عن حروب العقول التى تديرها ببراعة أجهزة المعلومات على المستويين المحلى والدولى، ولأن الشعب المصرى بطبيعة مكوناته الحضارية يتفاعل عبر الأزمنة مع جيشه سواء فى أوقات الحرب أو السلم، ويثق فى قدرات أجهزته ومؤسساته الوطنية، لذلك لم يكن غريبا عليه التفاعل بصورة ملموسة مع الأحداث الجارية، فهو يعيش أجواء حرب مقدسة ونبيلة، حرب تطهير بلده من تنظيمات إرهابية مأجورة، ممولة من قطر ومدعومة بالسلاح والمال من تركيا وأجهزة استخبارات عالمية مشبوهة.
مقابل التفاعل الشعبى الإيجابى، تجد على الجانب الآخر ما يشير إلى حقيقة أخرى، مفادها بأن الداعمين للإرهاب غاضبون، وينتابهم القلق من الحملة العسكرية ضد الإرهابيين فى سيناء، ومنزعجون أيضا من الضربات الأمنية التى تنفذها أجهزة الأمن فى القرى والمدن، فهؤلاء أنفقوا خلال السنوات الأربع الماضية عشرات المليارات من الدولارات على تمويل وتدريب وتسليح التنظيمات الإرهابية، وإعدادهم لإعلان سيناء إمارة، كى تكون البداية أو الخطوة الأولى فى تحقيق حلم أو وهم يداعب خيال «أردوغان» المهووس بالخلافة العثمانية.
فى هذا السياق، يمكن القول إن جنون أردوغان تزايد بصورة جعلته يتصرف وكأننا نشاهد مريضا فى «مورستان» حقيقى، أى أنه يسكن عنبرا بمستشفى المجانين، هذه الحالة أصابته جراء المعلومات التى تصله عن نجاحات الحملات العسكرية والأمنية، فجميعها يجعل قناعاته تتزايد فى تبديد حلمه وانهيار أوهامه، كما أن الضربات الأمنية تؤكد له يومًا بعد يوم، أن سيناريوهاته باءت بالفشل، أما بداية الفشل فكان منذ لحظة إسقاط مخطط استيلاء جماعة الإخوان على حكم مصر، هو لم يع حقيقة المصريين، هم أدركوا ببصيرتهم أن الجماعة تريد تنفيذ مخطط أردوغان، بأن تكون مصر جزءا من أدوات التنظيم الدولى، بما يمهد لعودة الخلافة العثمانية، ومن ثم يتم تنصيب المهووس خليفة للمسلمين، فثاروا عليهم وأسقطوهم من الحكم ومن ذاكرتهم.
بعد هذا الفشل لم يكن أمامه من حل سوى الدفع بالإرهابيين إلى سيناء، لعرقلة خطط التنمية وإنهاك المؤسسات الصلبة «الجيش والشرطة» فى مطاردة الإرهابيين، لكن أثبت المصريون تماسكهم وقوتهم ووقوفهم خلف جيشهم الوطنى، وهو ما أصاب كلا من أردوغان والأسرة الحاكمة فى قطر بحالة من الجنون، كما ازداد جنون أراجوزات الإخوان فى فضائيات إسطنبول والدوحة الذين راحوا يواصلون الردح ليل نهار.
أردوغان لم ينكر، ولن يستطع إنكار حقيقة دعمه للإرهاب، كما أنه لا يخجل إطلاقًا من الإعلان عن هذه الحقيقة بمناسبة وبدون مناسبة، فهو يتباهى بأنه الراعى الرسمى والحصرى للإرهاب الدولى، سعيًا لتحقيق طموحاته المدعومة بمليارات الدولارات من الخزانة القطرية، ولنا فى ذلك ألف دليل ودليل، حيث قال علنًا، دون أن تقترب منه الكياسة السياسية، ودون التقيد بمسئولية وبروتوكولات رجل الدولة، قبل عدة أسابيع مضت، إن الإرهابيين الفارين من سوريا سيتوجهون إلى سيناء، هكذا أزاح النقاب عن مكنون ما يدور فى أحراش نفسه الموبوءة، وهكذا قال وبكل بجاحة وحماقة.
ألم يكن هذا القول تأكيدًا ودليلًا قاطعًا، بأنه وراء تصدير الإرهاب إلى مصر فى إطار المخطط التركى القطرى الرامى لدعم أبناء حسن البنا، وهو المخطط الذى طالما تحدثنا عنه مرارًا وتكرارًا، فالراعى أعلن بصراحة أن المؤامرة ضد مصر يقودها بنفسه، مؤكدًا فى ذات الوقت أن الإرهابيين الذين دخلوا سوريا عبر حدود بلاده، لم يكن فرارا، بل كان بتنسيق مع المخابرات التركية، وبتعليمات مباشرة من حكومتها، وتمويل واضح ومعلن من قطر، وجاءت هذه الخطوة بعد إنزال خسائر شديدة من روسيا على صفوف تنظيم داعش فى سوريا والعراق، كانت التعليمات التركية لأعضاء التنظيم بالخروج من سوريا والتوجه إلى سيناء، بتهريبهم عبر البحر أو الدخول سياحة، أو من خلال تهريبهم إلى ليبيا.
تهديدات أردوغان المصحوبة بالهستيريا، قطعًا لم تزعج الدولة المصرية، ولن تزعجها بأى حال من الأحوال، لأنها قادرة على دحر أى محاولة للنيل منها ومن جيشها، مهما كانت التكلفة، ومهما كان دعم وتمويل الحكومات الراعية للإرهاب.
إن تطهير مصر من الإرهاب ومواجهة المخططات الرامية لتهديد الأمن القومى المصرى، ليست شعارات لدغدغة المشاعر، أو أناشيد نرددها ثم ننصرف للهو، لكنها هدف مشحون بالإرادة الوطنية، وهى إرادة توافرت على المستوى الرسمى، ولقيت دعما ومساندة على المستوى الشعبى، أما المؤسسات الصلبة «الجيش والشرطة» فقد عملا سويا على التخطيط السليم اعتمادًا على معلومات دقيقة وموثقة، تم التعامل معها باحترافية.