أقصر طريق لفهم الواقع الذى تعيشه مصر اليوم هو تسمية الحقائق بأسمائها دون مواربة ولا تمويه، فى ظل ما يحيطها من أطماع ومؤامرات.
منذ اللحظة التى أعلنت فيها مصر العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨ فى التاسع من الشهر الجارى ولم يهدأ قلق وتوتر الدول الكبرى والإقليمية فى منطقة الشرق الاوسط، أمريكا، روسيا، إسرائيل، تركيا، ترصد – تناقش – تجمع معلومات – تخضع كل التحركات المصرية للمراكز الاستخباراتية ومراكز الأبحاث، والجديد فى هذا الإطار التحرك الأمريكى الإسرائيلى الأخير بإعلانهما عن إجراء مناورات مشتركة بعد أسبوعين، بل إن حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة قد وصلت إلى القواعد الإسرائيلية على البحر المتوسط لهبوط أحدث الطائرات الحربية الأمريكية، تمهيدا لإجراء المناورة الكبرى فى صحراء النقب للتدريب على إجراء العمليات الحربية تحت اسم الإنزال وراء خطوط العدو.
على الجانب الآخر نقلت روسيا لقواعدها فى «اخمين» باللاذقية السورية أحدث أنواع الطائرات الحربية، بما يسمى الجيل الخامس «سو ٥٧» أو «الشبح سو»، وكذلك طائرات الاستطلاع.
أما تركيا فقد استسلمت للأمر الواقع والتسليم ببقائها فى حدودها، بعيدا عن أى تحرشات فى شرق البحر المتوسط، بعد تأكدها من قوة ومهارة البحرية المصرية فى المحافظة على المصالح الاقتصادية للدولة المصرية.
وفى مصر أكد العقيد أركان حرب «تامر الرفاعى» المتحدث العسكرى للقوات المسلحة الأسبوع الماضي، استمرار العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨ حتى تحقيق أهدافها بدك الإرهاب وتطهير ربوع مصر منه.
هكذا نشأ واقع عسكرى وسياسى جديد، فرضته مصر على الجميع، سواء فى محاربة الإرهاب أو فى المحافظة على المصالح الاقتصادية ودورها القومى كدولة ناهضة وكبيرة فى المنطقة، ولا بد أن يحسب حسابها فى كل شيء، ومن وجهة نظر المتابعين والمحللين أن معركتنا ضد الإرهاب قد فرضت على مصر والمصريين، لإشغالهم عن التنمية والتقدم وحل مشاكل المنطقة على حساب مصر وأراضيها ومقدراتها، وإحلال دويلات صغيرة لملء فراغ مصر بالجماعات الإرهابية بتمويل قطرى التى لا تملك شيئا سوى الأموال فقط، ولا تعرف شيئا عن أهمية الموقع الجغرافى والرصيد الحضارى الكبير والدور القومى لمصر على مر عصورها، وقت أن كان ينحصر اهتمامهم الأول والأخير بـ «الغنم» قبل ظهور البترول على أرضها.
وبناء على هذا الواقع الجديد لا بد أن يكون هناك نهج جديد، وأفكار وسياسات خلال الفترة القادمة بعد الواقع الجديد الذى فرضته القوات المسلحة المصرية على كل المنطقة.
وخلال الفترة القادمة ستتغير أمور كثيرة، وستحدث تحولات جوهرية فى العديد من قضايا الساعة.
وقد بدأ الدور المصرى فى إخلاء السيطرة التركية من العديد من المواقع التى حصلت عليها فى الفترة الماضية.
لقد وصلت منطقة الشرق الاوسط إلى حال من الخطورة لم يعد من السهل عودتها منه، وإعادتها للوراء، قتل – ذبح – إحراق ولا نعرف ماذا يخبئ الغد؟ نقول هذا الكلام لأن ما يسمى بجيش الإسلام الذى يقوم بهذه الأعمال علنا ورسميا فى الغوطة السورية من مجزرة بشرية لم تحدث من قبل، لقد وصل عدد القتلى من المدنيين ٤٠٠ قتيل.
ويبرز فى هذا السياق قيام المروحيات العسكرية السورية بإسقاط منشورات على الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة الإرهابيين، تطلب فيها من المدنيين مغادرة المدينة، ودعت المنشورات أيضا إلى رحيل المدنيين عبر ممرات محددة مع التعهد بتسكينهم فى مخيمات مؤقتة.
ومنذ الأحد الماضى تتعرض الغوطة الشرقية لقذف مكثف من الإرهابيين، وهو ما تسبب فى حصار المدنيين وتجويعهم، سواء النساء والأطفال والعجائز، وتطور الأمر إلى إحياء شرق دمشق القريبة من الغوطة، بنزوح أعداد كبيرة من المدنيين لمناطق قريبة من العاصمة السورية بعيدا عن قصف الإرهابيين، وتخلو شوارع تلك المناطق من حركة المارة والسيارات مع إغلاق كامل للمحال التجارية، هذا ما نقلته وأجمعت عليه جميع وكالات الأنباء.
وتعد الغوطة الشرقية واحدة من أربع مناطق يشملها خفض التصعيد فى سوريا، الذى جرى التوصل إليه فى محادثات «استانا» ورغم مرور حوالى ثلاثة أشهر على توقيع الاتفاق، لا تزال المنطقة التى يبلغ عدد سكانها ٣٥٠ ألف مدني، يعانون من الحصار والجوع، ومن النقص الحاد فى المواد الغذائية.
هذه هى الصورة الكاملة لما يحدث فى الغوطة الشرقية فى سوريا.
هذه المجزرة أو المذبحة التى تجرى أمام آذان وأعين العالم لا تعكر صفو الضمير العالمى.
ولم تتدخل أى دولة لوقف هذه المذابح إلا مصر ودورها القومي، الذى يبرز من جديد فى الواقع الإقليمي، عن طريق وسائلها الدبلوماسية، وجهود رجال الدولة الذين يقومون بجهود مضنية لوقف هذه المجزرة.
وهذا الدور يلقى القبول والترحيب من جميع الأطراف المتنازعة سواء المعارضة أو الحكومة السورية، وينتظر أن يكلل هذا الدور بالنجاح لوقف إسالة الدماء السورية.
وسبق أن قامت مصر بأدوار كبيرة فى هذا الإطار، لتهدئة الأوضاع.تلك هى الأوضاع التى كان يراد لمصر أن تقع فيها، أى تكون أرض مصر جهنم على الأرض، لكن كل هذه المحاولات تكسرت على أيدى جيش بلادي، الذى أوقف كل المحاكات والعمليات الإرهابية، حتى تتمتع مصر بالاستقرار والأمان، وفى هذه المرحلة فإن الالتفاف حول القيادة السياسية، ودعم خطوات الجيش والشرطة ودعم مصر.
إن الحرب الحديثة والجديدة هى استخدام الإرهاب المعولم فى تفتيت الدول وتقسيمها، لأنه إرهاب لا يقيم وزنا لنفس بشرية ولا لدين ولا مجتمعات آمنة، ولا لشعوب تفتش عن استقرار فى الحاضر وأمل فى المستقبل.
جرح شهداء المساجد والكنائس والجيش والشرطة ما زال ينزف، وجرح التهويل والرعب من عمليات انتحارية ما زال الجيش يردعه ويوئده، وفى هذه الأجواء لا تحية تعلو فوق التحية للجيش والشرطة، والعزاء لأهالى الشهداء الذين بدمائهم حققوا الاستقرار والأمان لكل مصري.
هذا التزامن المريب والمرتب للمناورات والتحركات العسكرية يستدعى أن نفتح عيوننا على اتساعها على كل صغيرة وكبيرة تحدث حولنا، ولك يا مصر الأمان والاستقرار.