رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان ومرجعيات العنف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرقٌ كبيرٌ بين أن تصف جماعة الإخوان المسلمين بالعنيفة، وأن تتحدث عن مسيرة التنظيم طوال عقود كاملة بلا حوادث عنف، فليس دليلًا على عدم ارتكاب حوادث العنف على الأقل طوال الثلاثين عامًا الأخيرة - ما قبل عام ٢٠١١ - أن الجماعة بريئة من وصفها بالإرهاب!
جماعة الإخوان المسلمين تمثل إحدى مرجعيات العنف فى العصر الحديث، ومنها انبثقت كل تنظيمات التطرف والتمرد والإرهاب حديثًا، فهى من وضعت الأسس المنهجية والفكرية والفقهية التى بنت عليها التنظيمات الأبحاث الفقهية التى قادتها إلى العنف الحتمى، بينما وقفت جماعة الإخوان على الضفة الأخرى تنفى علاقتها بالعنف، وأنها لم تُنشئ جناحًا مسلحًا بعد حل التنظيم الخاص فى منتصف القرن الماضى.
سيد قطب، أحد رموز التكفير فى العصر الحديث وأحد أهم المرجعيات الدينية لأفكار العنف من خلال ما خطه فى كتبه الثلاثة «المستقبل لهذا الدين، معالم فى الطريق، وفى ظلال القرآن»، كل هذه الكتب وغيرها من عشرات المقالات التى نُشرت فى جريدة «الإخوان المسلمون» التى كان يرأس تحريرها، كانت تحض على العنف، عندما كان يصف المجتمع بالكافر والجاهل، فضلًا عن رؤيته لدور «العصبة المؤمنة» فى ضرورة التغيير العنيف، وأعتقد أن اعتراف عضو مكتب الإرشاد السابق وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان فريد عبدالخالق، بأن «قطب» أنشأ تنظيمًا فى عام ١٩٦٥ كان هدفه قتل الرئيس جمال عبدالناصر، وأنه - والعهدة على الراوى - نصحه بألا يفعل ذلك، يؤكد ما ذهبنا إليه!
سيد قطب، لم يكن حالة استثنائية فى تنظيم الإخوان المسلمين، فقد كان عقلها المفكر الذى يرسم الخطط التربوية لتربية أجيال الإخوان والتى ما زال معمولًا بها حتى الآن - وإن طرأ عليها بعض التغيير - فقد كان مسئولا عن قسم نشر الدعوة داخل التنظيم، فضلًا عن عضويته لمكتب الإرشاد، فهو صانع قرار أصيل وكان عضوًا فى الهيئة التأسيسية للجماعة.
وضع «قطب» معالم أفكاره ورسخ لها داخل التنظيم من خلال موقعه، ورسخ لها أيضًا فى المجتمع بعد أن أتاحت له الجماعة ذلك من خلال رئاسته جريدة «الإخوان المسلمون»، فهو كان وما زال عقل الجماعة النابض، فلسف أفكار الجماعة ودفع بها للأمام من خلال كتبه التى تُدرس لأجيال الجماعة ضمن نظام الأسر وحلقات التربية عبر الأجيال المتعاقبة، وما تفتأ الجماعة إلا أن تحتفى بالشخص مع الأفكار ولم تُعلن مرة تبرؤها من هذه الأفكار.
ممارسة العنف بشكله الجنائى قد يكون فكرة مؤجلة عند بعض التنظيمات الدينية ولكنها حاضرة فى مناهجها التربوية، وقد يكون دور التنظيم أشبه بمعاهد التخرج، فليس مطلوبًا بأن يمارس الجميع العنف، وإذا كان هناك من يمارس العنف فحتمًا سوف يجد مشكلة فيما تسميه هذه التنظيمات «الدعوة الفردية» أو «التجنيد»، وبالتالى مهم جدًا توزيع الأدوار، هناك من يلعب دور المنفذ، وهناك من يقف خلف الستار ليهيئ مسرح الجريمة بقصد أو بدون قصد ولكنه يحدث.
جماعة الإخوان المسلمين صدّرت العشرات من أبنائها لساحات القتال، ولعل آخرهم عمر إبراهيم الديب، الذى انضم للقتال مع تنظيم «ولاية سيناء»، ومن قبل البراء حسن الجمل الذى سافر لسوريا لينضم لجبهة النصرة، فضلًا عن نشأة تنظيمات مسلحة على هامش التنظيم الأكبر مثل حركة «سواعد مصر» «حسم» و«لواء الثورة» و«المقاومة الشعبية» وغيرها.
أفكار قطب تسيّدت داخل تنظيم الإخوان المسلمين ومثلت المرجعية الأهم وأحد روافده فى العمل، ولكن آثرت الجماعة ألا تكون واضحة فى مشروع التغيير عندها وأنه ليس سياسيًا، فاختارت الدولة أن تتعامل معها بنفس المنطق وأن تراوغ فى مواجهة أفكار التطرف، أو قد تكون فشلت فى فهم التنظيم.
العنف ليس قرارًا داخل التنظيم وإنما حالة تعيشها التنظيمات المتطرفة تبدأ بالسلوك، وقد يسبقه العنف اللفظى حتى يصل التنظيم إلى مرحلة التأصيل الشرعى فيكون جزءًا من فكرة العنف ويبلغ ذروته إلى أن يُصبح جنائيًا، كل هذه المراحل قطعتها جماعة الإخوان المسلمين، غير أنها مازالت تتعامل مع فكرة العنف الجنائى بطريقة ملتوية وباهتة، تتحفظ على استخدام العنف فى بيانات رسمية، بينما لا تدين استخدامه وفق ذات البيانات، قيادات التنظيم ترفع لافتة السلمية بينما شباب الإخوان وهم من تربوا على أفكار التنظيم يمارسون العنف.
فشلت الدولة المصرية فى التعامل مع كثير من الجماعات الدينية، بينما نجحت فى التعامل مع التنظيمات التى أنشأت أجنحة عسكرية والخلايا المسلحة لتنظيمات أخرى، بينما كان الفشل واضحًا مع الجماعات التى حملت جين التكفير ونواة فكر العنف، هذه التنظيمات كانت أذكى فى التعامل، تعاملت بفكرها مع الدولة بينما اكتفت الدولة بالتعامل معها أمنيًا فقط، ولذلك ظلت أفكار التنظيم بينما أنهكت قوة الدولة.