واصلت الطائرات يوم الخميس قصف آخر جيب للمعارضة قرب دمشق لليوم الخامس على التوالي في حين يبحث مجلس الأمن الدولي المطالبة بهدنة لمدة 30 يوما في أنحاء البلاد للسماح بإيصال المساعدات العاجلة وإجلاء المرضى والمصابين.
وناشد مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا ستافان دي ميستورا بإعلان هدنة لوقف واحد من أعنف الهجمات الجوية في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات ومنع حدوث ”مذبحة“ في الغوطة الشرقية على مشارف دمشق.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 403 أشخاص على الأقل قتلوا في منطقة الغوطة الشرقية منذ ليل الأحد فيما أصيب أكثر من 2116 شخصا في الهجوم الذي يشنه الجيش السوري وحلفاؤه.
وقصفت الطائرات مناطق سكنية في حين قالت جمعيات طبية خيرية إن القصف أصاب أكثر من 12 مستشفى مما جعل من شبه المستحيل معالجة الجرحى.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس إن المنازل في الغوطة الشرقية بلا غذاء ولا ماء ولا كهرباء في برد الشتاء وإن 80 بالمئة من سكان حرستا يعيشون في أقبية تحت الأرض.
وقال دي ميستورا ”لابد من تجنب حدوث مذبحة لأن التاريخ سيحكم علينا“.
ودعا مجلس الأمن الدولي إلى التحرك، وعقد جلسة يوم الخميس لمناقشة الموقف بطلب من روسيا.
وقالت روسيا حليفة الرئيس السوري بشار الأسد والتي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إن بإمكانها تأييد هدنة مدتها 30 يوما لكن لا تشمل المتشددين الإسلاميين الذين تقول إن عملية الغوطة الشرقية تستهدفهم.
استبعاد المتشددين
يبحث مجلس الأمن التصويت على قرار صاغت مسودته الكويت والسويد يطالب ”بوقف الاقتتال في أنحاء سوريا لكل العمليات العسكرية عدا التي تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية... والقاعدة وجبهة النصرة“ لمدة 30 يوما للسماح بإيصال المساعدات وتنفيذ عمليات إجلاء طبية.
وقال السفير السويدي لدى الأمم المتحدة أولوف سكوج إنه يأمل في تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار يوم الخميس.
لكن المبعوث الروسي فاسيلي نيبنزيا قال إنه سيطرح تعديلات على النص ”ليصبح واقعيا“.
واتهمت كيلي كوري نائبة المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة روسيا بأنها ”تبدو عازمة على منع أي جهد حقيقي“ لوقف إراقة الدماء في الغوطة الشرقية.
وقالت لمجلس الأمن ”الولايات المتحدة مستعدة للتصويت على هذا القرار هنا وحالا. لا سبب للتأجيل“.
ويحتاج أي قرار كي يصدره المجلس موافقة تسعة أعضاء مع عدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية في المجلس (روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) حق النقض ضده.
وتحدث سكان في دوما كبرى مدن الغوطة عن أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد من مناطق سكنية بعد تعرضها لقصف الطائرات من ارتفاعات شاهقة.
وقال رجال الإنقاذ إن العمل جار للبحث عن جثث وسط الأنقاض في مدينة سقبا وبلدات أخرى.
وقالت وحدة الإعلام الحربي التابعة لحزب الله اللبناني الموالي للأسد إن طائرات هليكوبتر تابعة للجيش السوري ألقت منشورات على أحياء الغوطة الشرقية تحتوي على تعليمات للمدنيين الذين يريدون الخروج من الجيب بأمان.
ودعت المنشورات المدنيين إلى تسليم أنفسهم للجيش السوري للنجاة بأنفسهم وأوضحت ممرا على خريطة لقطع الرحلة بأمان إلى خارج الغوطة الشرقية.
السماء تمطر قنابل
قالت سارة كيّالي، وهي باحثة مختصة بشؤون سوريا في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، لرويترز في جنيف إن الوضع في الغوطة الشرقية يتدهور ”بمعدل متسارع“ بمقتل أكثر من 250 مدنيا في الساعات الثماني والأربعين الماضية.
وأضافت ”الشهود الذين تحدثنا إليهم من الميدان يقولون إنها’تمطر بالقنابل’“.
وقال روبرت مارديني المدير الإقليمي للشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن اللجنة مستعدة لتقديم رعاية طبية عاجلة في الجيب وتنفيذ عمليات إجلاء للمصابين بمجرد توافر الظروف التي تسمح بذلك.
وقال لرويترز في إفادة إعلامية في بيروت "نحتاج للحصول على موافقة من كل الأطراف للقيام بعملنا. لدينا قافلة جاهزة لنرسلها للغوطة الشرقية... بمجرد أن تخف حدة القتال".
وفي شمال سوريا حيث بدأت تركيا هجوما الشهر الماضي على فصيل كردي قال الأكراد إن المقاتلين الموالين للحكومة ينتشرون الآن على الخطوط الأمامية للمساعدة في صد الهجوم التركي لكن قد يتطلب الأمر مساعدات من الجيش السوري نفسه.
وكانت وحدات حماية الشعب، المتحالفة مع الولايات المتحدة في مناطق أخرى من سوريا، قد سعت في الأيام القليلة الماضية للحصول على مساعدة من الحكومة السورية للتصدي للهجوم التركي.
ويجسد ذلك التحالفات غير المتوقعة التي نجمت عن صراع متعدد الأطراف شاركت فيه دول مجاورة وقوى عالمية.
حصار لسنوات
يتركز الاهتمام الدولي الآن على المحنة الإنسانية في الغوطة الشرقية التي يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة يعيشون تحت الحصار منذ سنوات.
ويوم الأحد الماضي صعدت الحكومة قصفها للمنطقة بشدة الأمر الذي أدى إلى خسائر بشرية جسيمة في صفوف المدنيين.
وتقول موسكو ودمشق إن الهجوم على الغوطة الشرقية ضروري لهزيمة مقاتلين يقصفون العاصمة بقذائف المورتر.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين في مؤتمر صحفي عبر الهاتف ”من يدعمون الإرهابيين هم المسؤولون... لا روسيا ولا سوريا ولا إيران ضمن هذه الفئة من الدول حيث أنهم يشنون حربا شاملة على الإرهابيين في سوريا“.
ويقول العاملون في مجال الإغاثة وسكان إن طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش السوري تلقي براميل متفجرة على أسواق ومراكز طبية.
ويقول سكان ومقاتلون معارضون في الغوطة الشرقية إن طائرات روسية شاركت في الهجوم. ويقول السوريون إنهم يمكنهم التعرف على الطائرات الروسية لأنها عادة ما تحلق على ارتفاعات أعلى من طائرات سلاح الجو السوري.
وتنفي دمشق وموسكو استخدام البراميل المتفجرة أو استهداف المناطق المدنية وتتهمان المعارضة باحتجاز المدنيين واستخدامهم دروعا بشرية.
وأظهرت لقطات مصورة حصلت عليها رويترز حطاما في مستشفى الشفاء في بلدة الحمورية. وقال العاملون به إنه تعرض لقصف جوي ومدفعي.
وقال رجل عرف نفسه بأنه مسعف ”قسم العيادات خارج الخدمة ووحدة الرعاية الطبية معطلة ووحدة الجراحة معطلة ووحدة الحضانات معطلة ووحدة طب الأطفال معطلة جميع إدارات المستشفى خارج الخدمة“.
وأضاف ”هناك قتلى وجرحى بين العاملين والمرضى والأطفال بالمستشفى“ وتابع أن الأطباء أجروا جراحة وسط الأنقاض لأنه كان من المستحيل الإجلاء في وقت مناسب.
الأرض المحروقة
تخضع منطقة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة لحصار تفرضه قوات الحكومة منذ عام 2013.
وبعد المكاسب التي حققتها الحكومة في السنوات الأخيرة أصبحت تلك المنطقة هي المعقل الأخير للمعارضة بالقرب من العاصمة.
وإلى جانب محافظة إدلب وجزء من محافظة حلب في الشمال وشريط في جنوب غرب البلاد، تعد الغوطة الشرقية واحدة من بضع مناطق تعيش فيها أعداد كبيرة من السكان ولا تزال في أيدي مقاتلي المعارضة الساعين للإطاحة بالأسد. وقد تعهد الرئيس الأسد باستعادة السيطرة على كل شبر من الأراضي السورية.
ويقول سكان وشخصيات معارضة إن الحكومة السورية وحلفاءها يتعمدون تدمير البنية التحتية وشل الحياة فيما يصفونه بسياسة "الأرض المحروقة" لإرغام المعارضة على الاستسلام.