تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
استكمالا لما بدأناه فى المقال السابق حول هذا الملف الشائك، الذى يخشى البعض فتحه بعدما نجح تيار الإسلام السياسى فى ربط الخلافة بالدين، حتى إنهم جعلوها من أركانه وجعلوا رافضها كافرا، وقد وقفوا جميعا ضد الشيخ الأزهرى على عبدالرازق حين أصدر كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، والذى أكد فيه أن نظام الخلافة ليس من الدين فى شىء، إنما هو نظام حكم ابتدعه المسلمون الأوائل وتغير إلى نظام ملكى فى عهد الدولة الأموية واستمر الحال إلى نهاية الدولة العثمانية، وقد نُشر هذا الكتاب فى سنة ١٩٢٥، وهى السنة التى شهدت المؤتمر العالمى الذى دعا إليه الأزهر الشريف لبحث مسألة الخلافة، بعدما أعلن مصطفى كمال أتاتورك فى مارس ١٩٢٤ إسدال الستار نهائيًا على فكرة الخلافة، واستقلال جميع البلدان التابعة للدولة العثمانية، وبمراجعة دوريات ذلك الوقت سنكتشف أن أحدا من النخبة حينها لم يتباك على الخلافة، إلا مجموعة من الأصوليين والمحافظين، ففى مصر لم يمثل الأمر اهتماما للشعب، الذى كان ينظر للدولة العثمانية باعتبارها دولة غازية ومحتلة لأرضه وناهبة لخيرات وطنه، وكان الناس ينتظرون اليوم الذى سيرحل فيه أفندينا التركى المتعالى على البسطاء من الفلاحين والعمال، والحامل دائما لسوطه أو لكرباجه كى ينزل به على أجساد فقراء مصر، وعندما احتل الإنجليز البلاد فى عام ١٨٨٢ لم يفكر الخليفة التركى فى الدفاع عن قطعة غالية من أرض الخلافة وهى مصر، بل تركها لقمة سائغة للمحتل البريطانى،أما الذين تباكوا على الخلافة من المحافظين والأصوليين ودعوا إلى مؤتمر عاجل بالأزهر لمناقشة الأمر، فقد هالهم ما حدث، لأنهم يعتبرون الخلافة جزءا أصيلا من الدين، وكثيرة هى الفتاوى التى تتحدث عن الخلافة وضرورة عودتها، وقد كان هذا سببا رئيسيا فى ظهور بعض الجماعات الأصولية، وأولها جماعة «الإخوان المسلمون» ١٩٢٨ كرد فعل على سقوط الخلافة، وللحق فإن التاريخ الإسلامى لم يخل من منصب الخليفة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى إلغاء مصطفى كمال أتاتورك لهذا المنصب باستثناء فترة ثلاث سنوات أعقبت سقوط الخلافة العباسية ببغداد على يد المغول قبل أن يبايع المسلمون المستنصر بالله العباسى فى القاهرة، حيث استمرت الخلافة العباسية فى مصر حتى تنازل عنها المتوكل على الله للسلطان العثمانى سليم الأول، وقد استند الأخير على شرعية هذا التنازل، ليصبح خليفة للمسلمين ومن بعده أفراد أسرته العثمانية وصولا إلى عبدالمجيد الثانى آخر خلفاء بنى عثمان، والخلافة فى اللغة هى النيابة أوالتمثيل، فكلمة خليفة تعنى الخلف أو الوريث أو النائب أو الوكيل أو المنوب عنه، والمقصود هنا أن الخليفة هو المنوب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بدأ ذلك بأبى بكرالصديق عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأت القصة بسقيفة بنى ساعدة، حيث اجتمع الأنصار يتشاورون، وحضر مجموعة من المهاجرين، من بينهم الصديق وعمر، وكثر الحديث والنقاش فيمن سيتولى أمر الأمة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وكاد هذا النقاش أن ينتهى إلى خلاف وفتنة لولا عمر، الذى أمسك بيد الصديق وقال: «يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟» وبايعه عمر ومن بعده بقية الصحابة، ومن هذا اليوم عرف المسلمون منصب الخليفة، حيث أطلق على أبى بكر لفظ الخليفة أو خليفة رسول الله، وعندما تولى عمر من بعده كانوا يطلقون عليه خليفة خليفة رسول الله، فشق ذلك على ألسنة الناس حتى دخل عليه المغيرة بن شعبة، وفى بعض الأقوال عمرو بن العاص، وقال له السلام عليك يا أميرالمؤمنين، فتعجب عمر وقال: ما هذا؟.. فقال: نحن المؤمنون وأنت أميرنا، فسكت عمر، ومنذ ذلك اليوم لقب الخليفة بأمير المؤمنين، ولكن الخلافة قد مرت بفترات حرجة وبأزمات وفتن كثيرة، ولعلها قد بدأت على استحياء بعد استشهاد الفاروق عمر، حين اجتمع بعض الصحابة على مبايعة الإمام على كرم الله وجهه، فى حين اجتمع البعض الآخر على عبدالرحمن بن عوف، بينما ذهب فريق ثالث إلى مبايعة عثمان بن عفان، ولكن عبد الرحمن بن عوف حسم هذا الاستقطاب سريعا حين أعلن مبايعته لعثمان، فرجحت كفته وصار أميرا للمؤمنين، وفى نهاية عهده بدأت نيران الفتنة فى الاشتعال بقوة، حين ثار عليه مجموعة من المصريين بسبب قسوة قريبه عبد الله بن أبى سرح، الذى عينه واليًا على مصر خلفًا لعمرو بن العاص، فوعدهم بإرسال هذا القرار مع رسول له، وفى طريق العودة غافل المصريون هذا الرسول وقرأوا الرسالة فوجدوها ممهورة بخاتم عثمان وبها آية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} ومعنى ذلك أن هؤلاء قد خرجوا على الحاكم ويجب قتلهم، فلما وجدوا أن هذه الرسالة على خلاف ما وقع الاتفاق عليه رجعوا إلى المدينة والتقوا كبار الصحابة يشكون لهم أمر عثمان الذى نفى أن يكون هو كاتب هذه الرسالة، إنما كاتبها هو مروان بن الحكم، فطلبوا منه أن يسلمهم مروان، فرفض ذلك خشية أن يفتكوا به، وهنا بدأت نيران الفتنة فى الاشتعال.. وللحديث بقية.