ظهور أطراف اتخذت من عباءة المعارضة أو تسجيل مواقف بطولة ستارًا يخفى علامات استفهام تفرض نفسها حول طبيعة هذه التحركات وإبعادها، رجل قانون ملم بأدق تفاصيل ضوابط مهنة القضاء.. يقرر فى لحظة التضحية بكل تاريخه ومصداقيته، وهو يعلم مسبقًا أن تصريحاته ستكون نهايتها أمام المدعى العام العسكري.. رغم ذلك يذهب مستسلمًا دون حتى ورقة تُثبِت مزاعمه.
المشهد - بعيدًا عن نظرية المؤامرة - يستدعى منطقيًا عدة تساؤلات لعلها تكشف المزيد عن هذه المحاولات التى قد تتعرض لها مستقبلًا الانتخابات الرئاسية المقبلة.
المستشار هشام جنينة يدرك جيدًا أن الرأى العام ليس حقل تجارب لمثل هذه «الفرقعات» الإعلامية، ولا هو من هواة حل «الكلمات المتقاطعة» كى يحل الغاز ما ذكر أنه وثائق، كما أن الشارع لن يتقبل منه تبرئة ذمة ميليشيات الإخوان ودمويتهم.. فهى وقائع مسجلة فى التاريخ والحاضر ومتوقعة فى المستقبل.. أما فى حالة هدف التشكيك فى القضاء، المعروف فإن جنينة عاش عمره جزءًا من هذه المنظومة الشامخة دون أن تصدر عنه كلمة اتهام فى حقها حتى ثورة ٣٠ يونيو.. أسوأ السيناريوهات وأكثرها سذاجة على التحديد إحراج المؤسسة العسكرية الوطنية عبر الزج باسم أحد قادتها فى مزاعم ارتكاب عمل غير قانونى والاستيلاء على وثائق ملك المؤسسة العسكرية، ولا يحق له الحصول عليها بحكم موقعه.. كل هذا فى توقيت يمثل ذروة الالتفاف الشعبى حول الجيش، وهو يخوض أشرس معاركه دفاعًا عن آمن حدود مصر الشمالية والغربية.
رجل القانون قرر - مع سبق المعرفة بكل نتائج ما هو مقدم عليه - التضحية بنفسه ليس فقط لأهداف خائبة، وهى الظهور أمام الرأى العام العالمى كضحية لاضطهاد النظام، مع كل الانفتاح على مختلف دول العالم - أمنيًا وسياسيًا - مصر لم تعد تضع هواجس القلق من موقف أى دولة، مهما بلغ نفوذها، على رأس قائمة اهتماماتها، خصوصًا بعدما ثبت نجاح القيادة السياسية فى استيعاب هذه الأزمات عبر التحرك الدبلوماسى والحوار.. لذا الزوبعة التى أثارها جنينة ستحدث أثرًا عكسيًا يدفع حتى الشريحة المحايدة من الرأى العام إلى تبنى مواقف أكثر إيجابية فى مواجهة من يحاولون اختلاق ملفات شائكة تصرِف الشارع عن تحدياته الحقيقية.
نماذج عبثية للكوميديا السوداء صدرت فى فيديو (تنظيم ولاية سيناء!) وتسجيل صوتى لقائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى بعد أيام بدء العمليات العسكرية الشاملة لتطهير سيناء والدلتا من التنظيمات الإرهابية. صور شباب جماعة الإخوان التى توثق انتماءهم لهذه التنظيمات سواء فى هذا الفيديو أو جميع الإصدارات السابقة، دليل ارتباط مؤكد يضع هذه المسميات وغيرها فى إطار واحد. ينتقل الفيديو الأول عند جزئية (عبادة الديمقراطية) إلى نبرة تهديد عنيف يحذر من المشاركة فى الانتخابات الرئاسية مصحوبًا بصور دموية لتفجيرات وقتل جماعى فى حال اقتراب أى مجموعة من مقرات الانتخابات..كما يغازل الظواهري - بعدما فقد كل نفوذه - التنظيمات داعيًا إلى توحد صفوفهم وحمل السلاح.. رسائل إرهاب ساذجة تهدد بذبح ١٠٠ مليون مواطن مدني، من أبرز خصائص الشعب المصرى رفضه لهجة التهديد التى ما دامت أحدثت نتيجة عكسية فى تشكيل توجهاته.. إذ حتى الشريحة التى ما زالت تتمسك بقناعاتها السلبية ستشعر بالاستفزاز والرفض تجاه هذه «الحماقات الدموية». الانطباع الفورى لهذه التسجيلات استخدامها مفردات وصيغًا بعيدة تمامًا عن عقلية ونبض الشارع.. تعبيرات مستوردة من كهوف قندهار وبيشاور تستشف فى كلمة غربتها عن الشخصية المصرية.
الشارع المصرى على اختلاف شرائحه أسقط، وهم وجود جدار يفصل بين جماعة ترفع شعار السلمية بيد، بينما تحصد اليد الأخرى أرواحهم بمختلف الأسلحة، وبين باقى التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى أن ازدياد وتيرة الهجوم «المسعور» من جانب الإخوان للثأر من شخص الرئيس السيسي، وتصاعدها مع اقتراب الانتخابات سيأتى بنتائج عكسية لما يدور فى أوهام الإخوان وغيبت عنهم حتى حقيقة الرفض الشعبى القاطع لعودة «عصابة البنا» إلى صدارة المشهد مجددًا، حتى وإن كان عن طريق الانضواء ضمن تحالفات، بعدما كشفت عن حوادث لا حصر لها بالصوت والصورة تورطهم المباشر فى عنف استهدف أرواح الأبرياء من المدنيين، فى هذا الإطار يمكن قراءة عودة ظهور الإخوانى عبدالمنعم أبوالفتوح على المسرح الإعلامي، ثم صدور أمر - تأخر كثيرًا - من النيابة العامة بضبطه وإحضاره بعد رصد اجتماعات مع قادة الإخوان تحديدًا خلال رحلته الأخيرة. استخدام «مخلب» أبوالفتوح كان متوقعًا، بل ربما يكشف المستقبل عن المزيد من هذه الأسلحة الفاسدة.. تاريخيًا ارتدى أبوالفتوح القناع الذى تتمسك أطراف عديدة فى أمريكا وأوروبا على اعتماده نمطًا فى رؤيتها القاصرة عن وجود تيار إسلام سياسى يتبنى السلمية -خلافًا للتنظيمات الجهادية- يجب منحه فرصة المشاركة فى الحياة السياسية.
أخيرًا.. مع كل تصريحات وتحليلات أمريكا والغرب، ما زالت هذه المحاولات المشبوهة تلقى رفضًا من الشارع المصري، بل هى غالبًا لها رد فعل عكسى يزيد حجم النفور الشعبى من أحلام الخائبين.