قبل أن تقرأ.. هناك تساؤلات قفزت إلى ذهنى، وأرى أن طرحها ضرورى، وقطعًا سأنحاز، وربما ينحاز كثيرون غيرى إلى أى إجابات تحترم العقل وتتسق مع المنطق.. أما التساؤلات فهى: هل لا يوجد فى مصر شىء إيجابى على الإطلاق؟.. هل كل ما يجرى على اتساع الخريطة الجغرافية للبلاد من الصعيد إلى الدلتا سيئ وكارثى؟.. هل رئيس الدولة، أى رئيس، هو المسئول عن أخطاء وخطايا الأفراد فى بعض المؤسسات؟.. هل تتربص الأجهزة الأمنية بالمعارضين وتسجنهم وتنكل بهم؟.. هل؟ وهل؟ وهل؟.. إلخ.
الاجابة عن هذه التساؤلات - حسب ظنى - لا تحتاج إلى خبراء، مهمتهم فك الطلاسم وتحليل الألغاز، لأننا لسنا أمام لوغاريتمات عصية على الفهم، ففى مصر كل شىء معلوم، ومعروف للكافة، بمعنى أدق، كل شىء «على عينك يا تاجر»، أو «اللى مايشوفش من الغربال يبقى أعمى».
يا سادة.. الواقع أصدق أنباء من «هرتلات» إعلام العهر، الذى يبث من الدوحة وإسطنبول، وأصدق دليل من شائعات الكارهين لهذا البلد وشعبه، ممن يصدعون رؤوسنا ليل نهار عن الحريات والديمقراطية، إلى بقية المصطلحات البراقة، ومنها إرساء دولة القانون، وفى الوقت نفسه، تجدهم يدهسون القانون جهارًا نهارًا، فعندما يتم تطبيقه على أى منهم، تجد الصراخ الفضائى والفيسبوكى عن الإقصاء والاعتقالات، وغير ذلك من أمور لا تمت إلى الواقع بصلة، فما يحدث هو محاكمات عن جرائم، وليس اعتقالا.
الأمر يحتاج إلى روية، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وحتى لا تصبح الأكاذيب والادعاءات الباطلة وسيلة لإثارة الفتنة داخل المجتمع، فهناك فرق شاسع بين المعارضة والخيانة، خصوصا إذا كانت المعارضة تدافع عن الإرهابيين، وتتحدث عنهم فى توقيت بالغ الحساسية، باعتبارهم معارضين لنظام الحكم، حيث تخوض مؤسسات الدولة الصلبة «الجيش والشرطة»، معركة تطهير البلاد من الإرهابيين.
يقينًا من حقك ومن حقى، ومن حق أى مواطن أن يدلى بدلوه فى كل ما يتعلق بقضايا الوطن، وأن يطال هذا الحق، معارضة سياسات الحكم، ومن حق أى مواطن يحمل الجنسية المصرية وتنطبق عليه الشروط الدستورية والقانونية الترشح على مقعد الرئاسة، حتى لا تتعرض هيبة المنصب للابتذال، بأن يعلن كل من هب ودب نيته للترشح، وتصبح مجرد النية حدثا جللا، تفرد له «الجزيرة» والقنوات التى تبث من إسطنبول مساحة من «الردح»، واعتبار أن نية كل من هب ودب ستقلب موازين اللعبة الانتخابية.
لكن فى الوقت نفسه، ليس من حق أحد أن يجعل عدم قدرة البعض على الوفاء بالشروط القانونية للترشح، شماعة للنيل من الدولة، واتهامها بقمع معارضيها، ناهيك بالافتراءات والأكاذيب عن خوف النظام من وصولهم للسلطة، رغم أنهم فشلوا فى الحصول على توكيلات التزكية، وتأييد ٢٥ ألف مواطن، فهل سيتزاحم الملايين لانتخابهم؟.. فعلًا «اللى اختشوا ماتوا».
قبل أيام أطل الإخوانى عبدالمنعم أبوالفتوح بوجهه القبيح على المشهد الإعلامى، وأزاح الستار عن مكنون أمراضه النفسية وأحقاده الدفينة، عندما تقيأ، بعبارات موبوءة، على قناة «الجزيرة» القطرية، التى أفردت له مساحة من التحليل والتنظير العبثى، القائم بالأساس على معطيات افتراضية، ليس لها وجود إلا فى خياله المريض، بغية الوصول إلى نتائج، تبدو فى ظاهرها منطقية، ومن ثم، يتم التعامل معها على أنها حقائق لا تقبل الجدل.
أكاذيب أبوالفتوح لا يمكن اعتبارها هرتلات مجنون هارب من السرايا الصفرا، فهو يدرك ما يقول، وما يقوله يندرج تحت لافتة الإضرار بمصالح الدولة العليا، وكاف بتوجيه العديد من الاتهامات إليه، أقلها الخيانة، حيث ادعى أن البلاد صارت مسرحًا للتنكيل بالمعارضين، رغم علمه وعلم الكافة أنهم ليسوا معارضين، بل هم إرهابيون، فضلًا عن الادعاء بأن النظام الحاكم يخير الناس بين أن يحكمهم أو يعتقلهم، مشيرًا إلى شخصيات «قيد التحقيق»، لأنهم خالفوا القانون والدستور.
المثير أن أبوالفتوح وأمثاله يرون أن مقتل الإرهابيين فى المواجهات مع أجهزة الأمن جريمة فى حق الدولة، لكنه يخرس تماما عندما يتعلق الأمر باستشهاد الجنود والضباط من أفراد الجيش والشرطة، فهؤلاء لم يضبطوا، ولو على سبيل الخطأ، بإصدار بيان يدينون فيه جرائم الإرهاب، وظنى أنهم لن يفعلوها أبدًا، رغم درايتهم جميعًا، بأن حذاء أى شهيد، سواء جنديا أو ضابطا، أغلى عند المصريين من مئات الأجساد النتنة التى تلفها الأحزمة الناسفة.
فى هذا السياق، لا يفوتنى التأكيد على حقائق متعلقة بمواقف أبوالفتوح المتناقضة وتاريخه الشائن، فهو رغم إعلانه أنه انشق عن الإخوان، فإن الحقيقة الدامغة التى يجب أن تكون حاضرة فى أذهاننا أنه لم يخرج من عباءة الإخوان ولن يخرج أبدًا، وهذا اليقين الذى أتحدث به ليس نابعًا، فقط، من كونه وصل إلى أعلى المواقع التنظيمية وصانعًا لقرارات «الجماعة المارقة»، نائب المرشد العام، إنما لأنه غرس بذور الإرهاب، عندما قام بتأسيس الجماعة الإسلامية مع عصام العريان، فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، فضلا عن أنه يقف فى مقدمة صفوف الداعين لأفكار مؤسس جماعتهم «حسن البنا»، وهى الأفكار الرامية لتحويل الدولة المصرية بكل إمكانياتها الحضارية والثقافية والتاريخية إلى أداة لخدمة مشروع التنظيم.
أبوالفتوح، يا سادة، لم يخرج من التنظيم لموقف وطنى فى مواجهة جماعة مارقة عن الصف الوطنى، إنما أخرج عقابا له على مطامعه الشخصية وجرأته على مجرد التفكير فى الترشح للرئاسة من تلقاء نفسه، متمردا على دستور السمع والطاعة، الذى يحكمهم جميعًا منذ النشأة إلى القبر.