تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
فى ندوة «الثورة الرقمية وتحولات القوى الناعمة» التى عُقدت الثلاثاء قبلَ الماضى فى إطار المحور الرئيس لندوات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته التاسعة والأربعين، وقمت بإدارتها والتحدث فيها، قال د. جلال الدين الجميعى، أستاذ الكيمياء بكلية العلوم جامعة حلوان والحائز على جائزة النيل فى العلوم الأساسية إن الثورة الرقمية والإلكترونية تُعتبر أحد مصادر القوة لبعض الدول الكبرى الآن، والذى تستخدمه فى أغراض عديدة لممارسة السيطرة على الدول الأخرى، وهذا المفهوم يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت الدول تسعى إلى امتلاك العلم والتكنولوجيا حتى تتمكن من السيطرة على الاقتصاد، وإحداث التقدم الاقتصادى.
وأضاف د. الجميعى: «إننا نحتاج فى مصر تصحيح الصور المغلوطة عنا على شبكة الإنترنت، ونشر حضارتنا وثقافتنا، واعتبارها معركة يجب أن تخوضها الدولة المصرية لا تقل عن معركة الجيش فى محاربة الإرهاب ومعركة الدولة للنهوض الاقتصادي».
وقد التقطتُ طرفَ الخيط من د. الجميعى، وقلت إن تفعيل مقومات القوة الناعمة للدولة المصرية لا يمكن أن يتم بمجهودات فردية مبعثرة، بل يجب أن يتم بمجهودات جماعية تنضوى تحت منظومة فاعلة، ويكون لها أهداف محددة فى إطار زمنى واضح، اعتمادًا على قطاع الشباب فى تفاعله الدؤوب والمُبدع مع أجهزة الكمبيوتر والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وتكنولوجيات العصر كافة. ومن هنا فإننى أقترح أن يتم استحداث وزارة جديدة للقوة الناعمة للدولة المصرية فى التشكيل الوزارى الذى يعقب الانتخابات الرئاسية المقبلة فى أواخر مارس المقبل.
لقد بدأ الاهتمام فى مصر بموضوع «القوة الناعمة» أواسط سبتمبر ٢٠١٧، حيث شارك فى صالون الإسكندرية ولمدة يومين عدد كبير من المثقفين والكُتاب والأدباء والباحثين فى نقاشٍ موسع بعنوان «مستقبل القوة الناعمة فى مصر»، جاء فيها أن مصر اعتمدت على القوة الناعمة، واحتضنت واستقبلت بلا تعصب كل أساطين الفن والأدب، وأن التعليم هو الأساس وأن القوة الناعمة تراجعت بتراجع النظام التعليمى، وعلينا الاهتمام بالتعليم، لأنه الجسر الذى سيفتح طريقًا إلى سائر الدول. إن القوة الناعمة تظهر فى مناخ به حرية الإبداع. يجب الاهتمام بمشروع سياسى ثقافى تسعى إليه مصر، كما يجب أن يكون لمصر استراتيجية وطنية، حيث يمكن أن يتم عقد مؤتمر سنوى عن قضايا المستقبل التى تهم الإنسانية. إن مصر بدأت تتوازن فى الساحة الدولية، ولدينا تنوع فريد من القوة الناعمة من فنونٍ وآداب، فلدينا تاريخ مجيد، مثل إذاعة صوت العرب، وتأثيرها العميق قبل وبعد ثورة يوليو ١٩٥٢، كما أن الإعلام من القوى التى تدهورت بسبب غياب الرؤية، وأن علينا تطوير المعاهد والجامعات. كما أنه علينا الارتفاع بسقف الحرية. إن المأزق الذى تواجهه مصر هو أننا نتباكى على الماضى دون أن نبذل جهدًا كافيًا يواجه متطلبات المرحلة الراهنة، لذا يجب أن يكون للدولة دور ونفوذ فى ربط القوة الناعمة ببعضها البعض.
وبينما نجلس نناقش القوة الناعمة للدولة المصرية ونقترح إمكانية تنسيقها من خلال وزارة أو كيان مؤسسى، بدأت بعض الدول العربية الشقيقة فى استيعاب مفهوم «القوة الناعمة»، وبدأت فى استكشاف مصادر هذه القوة، وبدأت فى اتخاذ خطوات جادة فى تمكين قوتها الناعمة من الترويج لها، وعلى رأس هذه الدول الإمارات العربية المتحدة، حيث ترأس الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شئون الرئاسة اجتماع «مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة»، الذى عقد خلال اليوم الأول من أعمال الاجتماعات السنوية الحكومية لدولة الإمارات، التى استمر على مدى يومين خلال أواخر شهر سبتمبر ٢٠١٧، حيث استعرض مع أعضاء المجلس «الاستراتيجية الوطنية للقوة الناعمة لدولة الإمارات» التى تمت صياغتها وبلورة رؤيتها ورسم سياساتها العامة ووضع آليات تنفيذها، وذلك وِفْقَ الهدف الرئيس الذى حدده الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، والمتمثل فى تعزيز سمعة دولة الإمارات إقليميًا ودوليًا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب الأرض، وإبراز صورة الإمارات الحضارية وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة.
وتتألف الاستراتيجية الوطنية لدولة الإمارات من ستة محاور أساسية تشكل إطار الدبلوماسية العامة لدولة الإمارات؛ هذه المحاور هي: الدبلوماسية الإنسانية، ودبلوماسية الشخصيات والتمثيل الدولى، والدبلوماسية الشعبية، والدبلوماسية العلمية والأكاديمية، والدبلوماسية الثقافية والإعلامية، والدبلوماسية الاقتصادية.
وقد أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، فى التاسع والعشرين من أبريل ٢٠١٧ تشكيل «مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة» والذى يهدف لتعزيز سمعة الدولة إقليميًا وعالميًا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة ٢٤. ويتبع مجلس القوة الناعمة بشكل مباشر مجلس الوزراء، ويعمل على صياغة منظومة وطنية متكاملة تشمل الجهات الحكومية والخاصة والأهلية لنقل قصة الإمارات للعالم بطريقة جديدة.
وقد تم تحديد مهام المجلس فى رسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة والتى تهدف إلى تعزيز سمعة ومكانة الدولة إقليميًا وعالميًا وترسيخ قوتها الناعمة ورفعها إلى مجلس الوزراء وتحديد منظومة القوة الناعمة للدولة واقتراح ومراجعة التشريعات والسياسات التى من شأنها تعزيز سمعة الدولة بجانب تفعيل التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية والجهات الخاصة فى الدولة بهدف تعزيز القوة الناعمة للدولة إقليميًا ودوليًا ومناقشة واقتراح المشاريع والمبادرات الداعمة للقوة الناعمة للدولة إضافة إلى متابعة تنفيذ استراتيجية القوة الناعمة والمبادرات والقرارات الصادرة ورفع تقرير دورية لمجلس الوزراء بشأن التقدم المنجز فى تنفيذ الاستراتيجية.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن دولة الإمارات صنعت بحكمة مؤسسيها نهجًا متفردًا لها، وقال بمناسبة الإعلان عن تشكيل «مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة»، إن تشكيل المجلس يمثل رؤية عميقة لاستثمار رصيد منجزاتنا فى تعزيز أطر التواصل مع شعوب العالم، وتكريس مسارات التقارب الإنسانى. وأكد: «كلنا سفراء الإمارات، نحمل واجب إعلاء شأنها، وعلينا مضاعفة الجهد لتبقى فى قلب المشهد العالمى بنهجها المتميز وقيمها وطموحاتها».
لقد سبقتنا بريطانيا والإمارات العربية المتحدة فى تنسيق جهود القوة الناعمة فى كلا البلديْن، ومصر الحضارة والتاريخ والعلم والأدب والفنون والآثار والمساجد والكنائس والسياحة والشواطئ والزراعة والصناعة يجب أن تأخذ الخطوة التالية على مستوى العالم فى هذا المضمار، فمصر تستحق الكثير على مستوى العالم، فهل تستجيب الدولة المصرية لمقترحنا بإنشاء وزارة جديدة للقوة الناعمة؟