الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحواس وأصل الأفكار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حاول كثير من الفلاسفة الإجابة عن السؤال المتعلق بمصادر المعرفة، أى السؤال الخاص بأصل الأفكار. إذا ما تساءلنا الآن عن الوسيلة أو الأداة أو عن المصدر الذى تتم عن طريقه المعرفة.. فماذا تكون الإجابة؟
فى الواقع تعددت الإجابات بتعدد الاتجاهات الفلسفية. فقد رأى بعض الفلاسفة أن الحواس هى وحدها مصدر المعرفة (وهؤلاء هم الحسيون أو التجريبيون).
وقال فريق آخر بأن العقل هو المصدر الوحيد لكل صنوف المعرفة (وهؤلاء هم العقليون)، وذهب فريق ثالث إلى أن المعرفة قد تصل إلينا لا عن طريق العقل ولا عن طريق الحواس، بل عن طريق ملكة أخرى أطلق عليها اسم الحدس Intuition (وهؤلاء هم الحدسيون). 
تحدث الفلاسفة عن مصادر المعرفة لدى الإنسان.. أو أصل أفكار الإنسان، أى أفكار «الإنسان» بألف لام التعريف.. الإنسان فى المطلق.. الإنسان كتصور كلي. 
فإذا تحدثنا عن أصحاب المذهب الحسى (أو التجريبى)، فنجدهم يقولون إن كل معرفة إنما مصدرها الخبرة الحسية، ووسيلتنا للمعرفة هى الحواس. فالإنسان يعرف البرتقالة - مثلًا - لأنه رأى لونها بالعين وذاق طعمها باللسان، وشم رائحتها بالأنف، ولمس سطحها بالأصابع، ويؤكد الفلاسفة الحسيون أو التجريبيون أن الإنسان إذا فقد إحدى حواسه فإنه يفقد بالتالى المعرفة المتعلقة بهذه الحاسة. 
فالشخص الفاقد لحاسة البصر لا يعرف شيئًا عن لون البرتقالة، والفاقد لحاستى البصر والشم معًا لا يعرف شيئًا عن لون البرتقالة، ولا عن رائحتها، والفاقد كل حواسه لا يعرف أى شىء مطلقًا عن البرتقالة أو عن غيرها. 
الحواس إذن - فى رأى الفلاسفة الحسيين - هى الطرق الطبيعية لاتصال الإنسان بالعالَم الخارجى، فهذه الحواس هى بمثابة النوافذ التى يطل منها الإنسان على العالَم الخارجى.
 فالمعلومات التى تأتينا من الخارج عن طريق الحواس تسمى باسم «المعطيات الحسية»، كما أن العملية التى نحصل فيها على هذه المعطيات الحسية تسمى باسم «التجربة الحسية». 
والتجربة الحسية عند الفلاسفة الحسيين أو التجريبيين هى المصدر الأول لكل معرفة، أى أننا لا نستطيع أن نعرف إلا عن طريق التجربة الحسية، وبعبارة أخرى فإن كل معرفة إذا ما حللناها نجدها ترتد فى نهاية الأمر إلى معطيات حسية حصلنا عليها عن طريق الحواس، أى أن عقل الإنسان - فى رأى الفلاسفة الحسيين أو التجريبيين - لا يحتوى على أفكار سابقة على التجربة، فالعقل يبدأ فى تكوين المعرفة حينما يتزود بالإحساس.
هناك عبارة شهيرة للفيلسوف الإنجليزى «جون لوك» John Locke (١٦٤٦- ١٧١٦) زعيم الحسيين، يقول فيها: «إذا سألك سائل: متى بدأت تفكر؟ فيجب أن تكون الإجابة: حينما بدأت أحس».
ويُجْمِع الفلاسفة التجريبيون أو الحسيون على شعار واحد، هو «لا شىء فى العقل ما لم يكن من قبل فى التجربة الحسية». ولذلك فهم يرون أن عقل الإنسان عند الولادة يكون أشبه بالصفحة البيضاء الخالية من أى نقش أو طبع، وأن التجارب الحسية هى التى تخط عليها السطور. 
ولذلك فإن أصحاب المذهب الحسى بصفة عامة وبلا استثناء يرفضون رفضًا كاملًا أية معرفة فطرية. 
ويمكننا توضيح رفض الفلاسفة التجريبيين لوجود أفكار فطرية، وذلك من خلال موقف «جون لوك» من هذه الأفكار. إذ يقول فى كتابه «مقالة فى العقل البشري»: 
«إنها (أى الأفكار الفطرية) ليست موجودة فى العقل بالفطرة، لأنها ليست معروفة بالنسبة للأطفال والبلهاء وغيرهم. فالأطفال والبلهاء جميعهم ليس لديهم أدنى فهم أو فكرة عن تلك الأفكار. وعدم إدراك الأطفال والبلهاء للأفكار الفطرية هو خير دليل على عدم وجودها أصلًا، لأنه يبدو لى أمرًا من الصعب فهمه وجود شىء فى العقل، دون إدراك العقل له». 
رفض الفلاسفة التجريبيون إذن وجود أية أفكار فطرية، وأكدوا أن الحواس هى الوسيلة التى من خلالها ندرك الأشياء والأشخاص، أى ندرك العالَم.