تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الحب من أسمى العلاقات الإنسانية وأنبلها، ولو لم يكن قلب الإنسان ينبض بمشاعر الحب والحنان والعطف، لكان الإنسان عبارة عن كتلة باردة من اللحم والدم ليس أكثر، ويأبى معنى الحب أن نُقصِره على علاقة بعينها؛ فالحب متغلغل فى كل الروابط والعلاقات، علاقة الإنسان بربه، أسرته، أصدقائه، جيرانه، الحب رحمة وإنسانية، والحب الحقيقى هو: حب الخير والجمال والحق.
وأعظم حب هو حب الآباء للأبناء، ذلك الحب الذى تتمثل فيه أعلى درجات العطاء، عطاء ومنح دون مقابل، مقابلهم الوحيد هو أن تكون سعيدًا، يكفيهم رؤية ابتسامة ترتسم على شفتيك، أو علامة رضا تكسو ملامحك، ومهما ادَّعيت حبهما، أو فعلت من أجلهما، فإن ذلك لن يساوى شيئًا أمام صنيعهم لك وحبهم إياك، فما تفعله من أجلهم هو غيض من فيض صنيعهم، وحبك لهما إنما هو قليل من كثير حبهم.
وعاطفة الأمومة إنما هى حب على حب، إنها غريزة فطرية مجردة عن كل شهوة، ورحمة غرسها الله فى قلب كل أم، هل رأيت أمًّا لا تحب وليدها لأنه - مثلًا - قد وُلد مشوَّهًا، أو لأنه قبيح؟! بالطبع لا، بل تزداد له حبًّا وحنانًا، فدائمًا ما تمنح الأم عطفها وحنانها للضعيف من أبنائها بشكل أكبر؛ وذلك لأنها تشفق عليه وتريد أن تمنحه القوة والصلابة.
والحب ليس غريزة إنسانية فحسب، بل هو غريزة فى كل الكائنات، ألم ترَ كلبًا يحب إنسانًا، بل ربما كان أشد وفاء له من كثير من البشر؟! ألم ترَ عصفورًا يُطعم صغاره بمنقاره، أو طائرًا يحتضن صغاره بجناحيه؟! ألم ترَ قطة، وهى ترضع صغارها وتدافع عنهم بكل قوة إذا حاول أحد الاقتراب منهم؟!
وهناك الحب بين الأصدقاء، وفيه يتمنى كل صديق الخير للآخر ويحب له ما يحبه لنفسه، ويُقدم له النصيحة والمشورة الصادقة، يسانده ويكون بجانبه فى أوقات الشدة، يشعر بالفقد إذا غاب عنه وكأنَّ جزءًا من روحه ليس فيه؛ لأنه يرى فيه نفسه، أو هى نفسه فى مكان آخر، يحبه لنبيل صفاته وعظيم أفعاله، وليس من أجل منفعة أو مصلحة، وتلك أسمى معانى الحب.
وهناك الحب بين الزوجين، ذلك الحب الذى ينبنى على المودة والرحمة، ويقوم على العطاء المتبادل، يجتهد كل طرف من أجل إسعاد الآخر، ومن أجل استمرار الحياة المشتركة، حب يقوم على التضحية والوفاء وإنكار الذات، يكتفى كل طرف بالآخر دون أن يكتفى منه، وكلما طال العمر وزادت العشرة زاد الحب وتعمق، فلا يستطيع أحدهما العيش من دون الآخر، هكذا ينبغى أن تكون العلاقة بين الزوجين.
وقد اعتاد العالم أن يحتفل بعيد الحب يوم الرابع عشر من فبراير من كل عام، فهذا اليوم رمز للعشاق والمحبين، يتبادلون فيه رسائلهم وهداياهم ويعبرون فيه عن مشاعرهم، ولكن الحب لا يحتاج مناسبة أو يومًا للاحتفال به، إنه حالة شعورية مرتبطة بالإنسان طوال الوقت، فى كل يوم ينبغى أن يبرهن المحب لحبيبه على صدق مشاعره وعلى مدى إخلاصه ووفائه، وأن الحياة دون وجوده غير ممكنة.
ولكن أتعلمون الشيء الذى هو أعمق من الحب؟! إنها الرحمة، كما يقول الدكتور مصطفى محمود؛ فهى أصفى من الحب وأطهر، ففيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وكلنا قادرون على الحب بحكم الطبيعة البشرية، وقليل منَّا هم القادرون على الرحمة.