تخوض الدولة المصرية حربًا على الإرهاب عقب ثورة 30 يونيه 2013، وعلى الأحرى تخوض هذه الحرب قبل ثمان سنوات، وتحديدًا عقب ثورة 25 يناير 2011، عندما سمح سقوط نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لقيادات التنظيمات المتطرفة بمزاولة نشاطها من جديد وترتيب أوراقها، بينما أتاح نفس الظرف السياسي التمرد على الأحكام القضائية الصادرة بحق «جهاديين» أدينوا في أحداث عنف واعترفوا بارتكابها، فخرجوا جميعًا ومارسوا نشاطهم ولكن علانية هذه المرة!
وقعت الدولة المصرية رهينة التنظيمات الدينية على مدار سنوات التمرد عقب ثورة يناير حتى احتلت مساحة أكبر عندما تولى محمد مرسي رئاسة الدولة حتى منتصف يونيه 2013، وخلال عام حكمة كان يستقبل قيادات هذه التنظيمات داخل القصر الرئاسي، كما كان يُرسل وفودًا للتصالح والتفاهم مع الذين يقاتلون في الصحراء، فأصبحت البلاد أسيرة هذه التنظيمات حتى انتفض المصريون على حكم الإخوان المسلمين حتى اتحدوا جميعًا.
ثورة 30 يونيه خلفت جرحًا لدى الجماعات الدينية، فزاد الجرح بالمواجهة أو بداياتها حتى وصل الحال للمواجهة المسلحة، وهو ما أنتج وضعًا معقدًا، حيث بايعت التنظيمات الدينية على المواجهة المسلحة ضد الدولة بشكل أجهد الدولة، وبمقارنة بسيطة نفاجأ أن وضعية الإرهاب باتت أكثر شراسة وقوة مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت الدولة تواجه الجماعتين الأبرز، الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي، بينما وقفت باقي التنظيمات الدينية على الحياد إلا تنظيمات صغيره كانت تتعامل معها أجهزة الأمن بين الوقت والآخر، وأكتفى دور الجهاز الأمني في ذلك الوقت بمراقبة نشاط الإخوان وتتبعه فقط!
خطورة الوضع الأمني في مصر يرجع لعدة أسباب منها، أن الدولة تواجه تنظيمات دينية عابرة للحدود تتواجد في محافظة شمال سيناء، وبالتالي فهي تواجه مقاتلين أجانب وإمدادات أشرفت عليها دول، وهنا يمكن القول، إن الدولة لا تواجه تنظيمات محلية على أراضيها، هي قادرة على التعامل معها، كما كان في الماضي وإنما تواجه تنظيمات متطرفة لها رءوس في الخارج، فضلًا عن الدول التي تمولها، وهذا نوع من الإرهاب شديد الخطورة.
لا خلاف على أن الدولة سوف تنتصر في معركتها ضد الإرهاب لأسباب نعرفها، يرتبط بعضها بالقوة المسلحة التي تمتلكها والمعلومات التي بحوزتها وتُحسن استخدامها فضلًا عن طبيعة نشاط هذه التنظيمات وتحركاته، ومواطن الضعف والقوة، كما أنها تُدرك طبيعة تفكير قيادات هذه التنظيمات فتستبق أفعالها بأفعال مقابلة للحد من نشاطها، ولكن يبقى بعد انتهاء معركة التحرير في سيناء وتطهير بؤر الإرهاب أن نطهر البيئة التي يتكاثر فيها حتى لا نجد أجيالًا جديدة من المتطرفين.
الدولة لديها استراتيجية للمواجهة أغلبها قائم على المقاربات الأمنية والعسكرية التي لا تشكل سوى 30% فقط من فرص القضاء على الإرهاب، بينما يتبقى 70% للمواجهة الفكرية ودور المجتمع المدني الذي مازال غائبًا عن ساحة المواجهة الحقيقية، وهنا يمكن القول،: إن التحدي الأكبر ليست في تصفية المقاتلين التابعين للتنظيمات التكفيرية وإنما تصفية الظواهر العقائدية والمجتمعية والنفسية التي صنعت بيئة حاضنة للتطرف، وهذا يبقى دور باقي المؤسسات المجتمعية، الرسمي وغير الرسمي منها.
تجمع المتطرفين في سيناء قد يمثل خطورة ولكن الأخطر أن تبقى بذرة التطرف دون التعامل معها فتنمو دون أن يُلاحظها أحد أو يتابعها أصحاب الشأن فتستيقظ البلاد على جيل جديد من الإرهاب، ونسخة ربما تكون أكثر خطورة مما هي عليه الآن، كما تكرر فالنسخة الحالية للإرهاب تفوق ما كانت عليه في التسعينيات من القرن الماضي.
الحرب الحقيقية على الإرهاب لابد أن تكون حربًا على البيئة المنتجة له، فالمواجهات الأمنية هي أضعف الحلقات في الصراع رغم أهميتها وتضحيات أصحابها، ولكن لابد أن يكون متزامنًا معها القضاء على كل ما يُساعد على ولادة أفكار التطرف، وأن يتم إنشاء وحدات تابعة للمعاهد التربوية والتعليمية تكون مهمتها الكشف المبكر على الأطفال الذين لديهم نزعات واضحة للتطرف أو يلاحظ عليهم ميل لذلك، والتعامل مع النبت الصغير بما يُحصنه من أي استقطاب، وهذا يُزيد الخناق على الأفكار المتطرفة فيتم قتلها في المهد قبل أن تتكاثر، ما يجري على الأطفال في سنوات الدراسة المختلفة يجري على الشريحة العمرية الأكبر من خلال النادي والمسجد، ويتعدى ذلك باقي المؤسسات التي تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع بقية أفراد المجتمع، مثل المؤسسة الدينية والثقافية عبر هياكلها وأنشطتها التابعة لها حتى نكون مطمئنين لتفكيك أفكار المتطرفين واثبات زيفها.