استيقظت مصر والعالم على البيان رقم واحد من المتحدث العسكري المصرى، ليعلن بدء المعركة الشاملة ضد الإرهاب فى سيناء ومناطق أخرى على التراب المصرى، تابعت مع ملايين المتابعين على مدار الساعة كل المداخلات التليفزيونية التى تمت حول تلك المعركة، ورحت أجوب مواقع التواصل المختلفة أتلمس فرحة صغيرة هنا أو بهجة هناك.
أعرف تمام المعرفة أنه لا توجد حرب فى الدنيا مُذاعة على الهواء، ولكننى أعرف حجم التضامن الشعبى الجارف لمعركة شريفة ونبيلة، مثل تلك التى خاضها ويخوضها البواسل على كل شبر بمصر، الأزهر والكنيسة يعلنان فور بدء العمليات دعمهما ومباركتهما لهذا التحرك الجسور، الكهول على المقاهى يهجرون قنوات الرياضة ويطلبون القنوات الإخبارية، المتعجلون يطلبون بيانات متواصلة من المتحدث العسكرى، والعقلاء يطلبون منهم التريث، الدعاء على كل الألسنة «يارب النصر لمصر».. يمكنك الآن أن تبكى متصالحًا ومتسامحًا طالما لهذه الأرض شعب على قدر المسئولية، ولهذا الشعب جيش على قدر البطولة.
هذه المعركة لا تشبهها حرب أخرى، لأن مطاردة الإرهابى الذى هو جبان بطبعه لا تتوافر فيها المواجهة المباشرة التى توفر الكثير من الجهد، هذه المعركة التى تعتمد على المعلومة ثم المطاردة ثم الحسم هى معركة مُركبة ومعقدة للغاية، لذلك عيوننا جميعًا مُعلقة هناك أينما يرمى الجنود أبصارهم نفرش قلوبنا على الأرض لتدوس عليها بيادة الجندى، وهو فى طريقه للنصر، الذى يحفظ لبلادنا كرامتها ويرد لشعبها الأمان فى البيوت.
لست متعجلًا لمعرفة التفاصيل فى هذه المعركة، لأننى على ثقة بأن طريق النصر يبدأ بإرادة النصر، وتلك الإرادة رأيناها بعيوننا على مدار السنوات القليلة الماضية، وتجلت فى أبهى صورها عندما حرصت على البناء والحرب فى الوقت ذاته، كان من الصعب الانتصار لو استمر حالنا على ما كان على بنية أساسية مترهلة، الإرادة التى رفضت الخضوع لشروط المصالحة المُذلة مع أعداء الحياة التكفيريين وعلى عكس رغبة العديد من العواصم الكاذبة سارت مصر فى طريقها نحو النصر والاستقلال والحرية والتقدم والبناء، لتكون درة التاج، تلك الخطوات الباسلة التى مشت على الأرض صباح الجمعة الماضى فى المعركة الشاملة ضد الإرهاب.
عندما نقرأ أن تلك المعركة لا تخص مصر والمصريين وحدهم علينا أن نُصدق تلك القراءة، لأننا رأينا بعيوننا ذلك العدو وهو يتسلل من عاصمة إلى أخرى فى المنطقة العربية، وشهدناه يضرب هناك حتى فى العواصم الحاضنة والداعمة له، سواء فى أوروبا أو غيرها، إنها معركة الإنسانية التى تدافع عن حق الأمن والأمان للإنسان بشكل عام وترفض الاعتداء وسبى النساء والقتل على الهوية واحتكار الدين، لذلك أراها معركة شريفة تمنيت ارتداء الأفرول العسكرى كمقاتل فى صفوفها، تمنيت مواساة الأطفال الذين يتموا بسبب رصاصات وسكاكين الغدر والأرامل اللائى فقدن أزواجهن، لا لسبب إلا دفاع هؤلاء الأزواج عن تراب مصر المقدس، هذه المعركة التى تدور الآن لها ما بعدها فى التاريخ، فعلى كل واحد منا أن يكون على قدر المسئولية فى هذه اللحظات الفارقة.
هكذا هو قدر سيناء بوابة مصر الشرقية، منها حاول كل الغزاة الدخول إلى مصر وعلى أرضها تم ضرب كل المخططات، سيناء التى ارتوى كل شبر فيها بدماء شهيد بطل، تشهد الآن صفحة جديدة فى التاريخ، وعلينا أن نعرف أن من ينتصر فى هذه المعركة، الإعلان النهائى الحاسم بهزيمة الإرهاب هو مخطئ، سيبقى جيب هنا أو خلية هناك، فالخصم الجبان مُحترف فى الاختباء والهروب، علينا أن نعرف ونرضى ونفرح بأن المعركة التى تدور الآن سوف تنجح فى كسر بنية الإرهاب وقطع دابر خطوط دعمه وتدمير كل طموحه فى التواجد أو الحياة بين الشعب المصرى.