"لا بأس بالقوم من طولٍ ومن قصر.. جسم البغال وأحلام العصافير"
القوة والضعف مفهومان متناقضان متنافران، بقدر ما أنهما متكاملان متداخلان. ما القوة؟. هل تكمن في الجسد وعضلاته، أم أن مصدرها العقل ومعطياته؟. بالبغال قد يُضرب المثل في متانة البنيان، لكن هذا لا يعني شيئًا بالنظر إلى فساد العقل وتفاهته. المحصلة النهائية لا شيء، وكم من البشر الذين يوحي ظاهرهم المادي بالقوة والجلد والقدرة غير المحدودة على التحمل وخوض المعارك والانتصار فيها، وتسقط بهم هشاشة العقل إلى القاع القريب من الحيوانية الخالصة، فلا براعة في التمييز والتقييم تقود إلى الصحيح الرشيد من القرارات والمواقف.
بيت حسان هجائي من طراز فريد، وعندما يتحدث قدامى النقاد عن "أهجي بيت" في الشعر العربي، يظهر الشاعر ببيته هذا في القائمة المرشحة، منافسًا للأفذاذ من محترفي الهجاء المبتكر الموغل في القسوة والتحامل.
ليس أدل على شيوع الشطر الثاني: "جسم البغال وأحلام العصافير"، من إدمان تكراره عند وفرة من المعاصرين محدودي العلاقة بالشعر. أغلب الظن أنهم يجهلون اسم الشاعر ومضمون قصيدته، لكن المعنى يروقهم فيستعينون به في مواقف شتى، تمثل دليلًا عمليًا على الثنائية المتلازمة، القوة والغباء، ما يستدعي السخرية والتهكم. كتلة من القوة الغاشمة تمتزج بقصر النظر، والنهاية المنطقية هي السقوط في بئر الضياع والتخبط.