بلا شك أن قوّة ومكانة الأمم تعتمد على مقدار ما تولده من معرفة تمكنها من امتلاك التكنولوجيا من جهة ومن الابتكار والتجديد فى شتّى حقول الإنتاج والخدمات والنظم من جهة أخرى، وربما نجحت العديد من الدول خلال ثلاثة عقود ماضية، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، فى معرفة امتلاك التكنولوجيا، وبدأت تستقل عن الخارج فى حقول التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الفضاء وبعض تكنولوجيا الطاقة. وهى فى طريقها إلى امتلاك معرفة الابتكار والتجديد لتصبح قوى اقتصادية يحسب لها فى الأسواق الدولية، تلك أمثلة لدول مثلنا تماما وربما بعضها ليس لديه حضارة قديمة مثلنا.
كما أن امتلاك معرفة الابتكار والتجديد، فإنه موضوع بالغ التعقيد يحتاج إلى تعليم جامعى رفيع المستوى لتخريج المبدعين والباحثين المتمّيزين، ويحتاج إلى مراكز أبحاث فى داخل الجامعات وفى خارجها، ونحن جامعتنا فى حالة يرثى لها ومعظم خريجيها لا يقدرون على المنافسة فى الأسواق الوطنية والعالمية!
على أى حال فإن أى نواة لمجتمع يسعى إلى التقدم العلمى والتكنولوجى تبدأ من القراءة والبحث والتعلم، فما أجمل من كلمة «أقرأ»، فهى أوّل كلمة نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم فى غار حراء عندما نزل عليه جبريل عليه السلام وقال له «إقرأ»، فهى أعظم كلمة وأوّل كلمة، لأنّ العلم والمعرفة والمهارات ولتعلّم الإسلام ومبادئهُ فى ذلك الزمان هى بالقراءة، وهذا ما يؤكد عظمة القراءة وأهميتها وفوائدها، وعندما يحل علينا موعد معرض القاهرة الدولى للكتاب تهفو القلوب إليه مسرعة لمعرفة ما الجديدة من الكتب والدراسات والأمسيات الفكرية والثقافية ودور السينما والمسرح ، ليكون بالفعل ملتقى للأفكار على اختلافها وتنوعها، وفى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ ٤٩ المنعقد فى الفترة من ٢٧ يناير وحتى ١٠ فبراير من العام الجاري، ملحمة ثقافية عربية دولية نحتاج إليها فى الوقت الحالى بسبب التحديات الجسام التى نواجهها خلال السنوات الماضية، وفى المستقبل، وهذا المعرض يعكس وحدة وتناغم الوطن العربي، ومتانة علاقات الدول العربية، هذا بجانب إلقاء الضوء على ثقافات وشعوب الدول الأخرى العربية والخليجية والأفريقية والأمريكية والألمانية... إلخ والتعريف والتذكير بالأدوار العربية وقضاياها المشتركة.. خاصة أن هذه الدورة تشهد مشاركة ٢٧ دولة، منها ١٥ عربية، و١٠ أجنبية، ودولتين أفريقيتين، بعدد ناشرين ٨٤٨ ناشرًا، منهم ٤٨١ ناشرًا مصريًا، و٣٦٧ ناشرًا عربيًا، و١٠ أجانب، و٢ أفارقة.. والقراءة تعتبر وسيلة اتّصال رئيسيّة للتعلم ومعرفة الثقافات والعلوم الأخرى الموجودة من خلال ملتقى دولى فى مصر يجتمع فيه الآلالف وربما الملايين من المثقفين كل عام ليتحاوروا حول قضايا مصيرية تتعلق بمستقبلهم على أرض الكنانة، وهى من ناحية أخرى تدل على استقرار الدولة المضيفة لهذه الثقافات المختلفة وأن مصر تسير فى الطريق السليم من خلال قيادة وطنية حكيمة..
وتعتبر القراءة من أهم الأمور لتقوية شخصيّة الإنسان لما لديه من ملعومات وخبرات قد قام باكتسابها من القراءة فى المجالات الشتّى فى الحياة، وتعطى الشخص المثقّف وهو القاريء القدرة على نقاش الآخرين فى مجالات الحياة شتى.
والقاريء لا يهزم- كما يقولون- والأمة المثقفة خير من الأمة معدومة الثقافة والمعرفة، فالمعروف منذ القدم أنّ القراءة هى أوّل وسيلة للتعلّم وأقدمها، والتى تعتبر من خلالها يكتسب المعارف والعلوم والأفكار والمبادئ التى يصوغها الشخص الكاتب الذى لديه خبرة فى مجال معيّن، لينقل هذه الفكرة الى الآخرين ليكتسبوا منها المهارات والخبرات من خلال قراءتها، والمعروف أيضا أنّ أوّل مكتبة وجدت هى التى أوجدها الفراعنة ووضعوها رعاية لآلهتهم على بابها مكتوب «هنا غذاء النفوس وطب العقول».
والقراءة هى الوسيلة الوحيدة التى تعتبر من أهم الأمور لبناء الحضارات وتطوّرها فى المجالات شتى، فنحن فى القرن الواحد والعشرين ثورة التكنولوجيا والإنترنت فأصبحت فكرة التعلّم سهلة جدًا فى ظل التطور التكنولوجى وعالم الاتصالات والإنترنت ولا تحتاج إلى تعب فقط هى تحتاج إلى أشخاص يريدون التعلّم واكتساب الخبرات وزيادة الفرصة المتاحة لهم باستثمارها بما ينفعهم فى العلم، الذين يريدون أن يتعلموه منها.. حتى لا يصدق علينا قول المتنبي: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»!