«إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
ظمئت.. وأى الناس تصفو مشاربه»
منذ الخطيئة الأولى لآدم وحواء، يُحكم على ملايين الملايين من أبنائهما بالرضوخ للقانون الصارم الغليظ الذى يقدم بشار صياغته المثلى: الموت من فرط الظمأ، أم الرى المختلط بالقذى والعكارات؟ الاختيار ليس مطروحا، فهو ترف لا يليق بأبناء الخطاة، والتمرد ليس ممكنا، والحصار خانق محكم مرهق مزعج، لا مهرب منه أو فكاك.
الشاعر الضرير الحكيم يرى ما يعجز عنه المبصرون بلا بصيرة، والبناء واثق موجع يمسك بتلابيب القارئ فيتراجع عن هاجس إضاعة الوقت فى المناقشة العبثية والجدل العقيم. السفسطائيون وحدهم من يهدرون أعمارهم فى إنكار ما لا يمكن إنكاره من حقائق ساطعة يعاينون آثارها الكارثية بلا انقطاع، والكاذب المحترف وحده من يكابر فيزعم أنه يشرب الماء صافيا. يعرف أنه يكذب، وينفرد بنفسه فيقر معترفا منكس الرأس: قدر الإنسان ألا تصفو له حياة أو شراب، وما الحياة إلا الكثير الكثير من الشوائب.
قد يُحتمل الظمأ ساعات، ويُستعان بالعناد فيطول الصبر يوما أو أياما، لكن سياط الجفاف تقود إلى الاستسلام، وينظر المعذب بالظمأ حوله، فيرى أفراد القطيع يشربون بلا غضاضة، فيهمس لنفسه مواسيا: وأى الناس تصفو مشاربه؟
إنها لعنة الخطيئة التى لا تُغتفر!