يعد نبيل نعيم أحد أشهر الجهاديين السابقين، وهو من مؤسسى تنظيم الجهاد فى مصر خلال النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضي، وشارك فى تأسيس تنظيم القاعدة مع «الجهاديين المصريين» خلال وجوده فى أفغانستان.
وعقب عودته اعتقل على ذمة قضية «العائدين من أفغانستان»، حيث أجرى مراجعات فكرية، ليكون الآن من أشد مناهضى الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها «القاعدة» و«داعش»، وفى هذا الحوار يتحدث نعيم عن واقع الإرهاب فى سيناء.. وما سبل مواجهته.. ومَن وراءه؟
■ ما العوامل المشتركة بين التنظيمات الإرهابية الكبرى؟
- تقوم هذه التنظيمات بشكل عام على تكفير عوام المسلمين، ومدخل هذا التكفير هو قضية الحاكمية بداية من سيد قطب إلى سيد إمام، مؤسس الفكر التكفيرى لتنظيم «القاعدة»، ومن بعده «داعش» وأخواته، فسيد إمام تخطى تكفير الحاكم إلى تكفير العوام بالمعصية، ففى كتابه كفّر الشرطة والجيش والقضاء، ومن ثم كفّر الشعب المصرى بكتابة فصل خاص عن حكم أولاد المرتدين.
ويستند إمام وغيره من قادة هذه الجماعات على تكفير المجتمع بتأويلاتهم الخاصة للقرآن، التى تتناسب مع أيديولوجيا التكفير، بمجموعة ضخمة من الأحاديث والآراء الفقهية، وأشهر هذه الأحاديث عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»، أخرجه مسلم فى الصحيح، وهذا هو عين التكفير بالمعصية، فعند جمهور الفقهاء تارك الصلاة عاصٍ وليس كافرًا.
ومن هذا المنطلق أيضًا يكفرون من يصلى فى المساجد التى تضم أضرحة، ومن أجل هذا قد نفذوا عملية القتل فى مسجد الروضة فى بئر العبد، ومن قبلها تفجير المسجد النبوي، لأنهم يعتبرون قبر النبى صنمًا، وصرح الشيخ نصر الدين الألبانى بهذا.
■ ما سبب استمرار تنظيم «القاعدة» وانهيار «داعش»؟
- داعش تبنى مشروع دولة، ما جعل عددًا كبيرًا من عناصر تنظيم القاعدة يترك التنظيم ويذهب لـ«داعش»، والآن انهارت فكرة الدولة سواء فى العراق أو فى سوريا، وسيتم القضاء عليها تمامًا لذلك سيلجأ من تبقى من هذا التنظيم إلى تشكيل تنظيمات صغيرة أو فرعية، وربما لا نجد حاضنة لها سوى تنظيم «القاعدة».
والاحتمال الأكبر أن هناك جزءًا من هذه التنظيمات سيبقى فى حالة سكون، أو ما يمكن أن نطلق عليه «الخلايا النائمة». ومن المنتظر أن ينمو تنظيم «القاعدة» مرة أخرى، لأنه منذ البداية تنظيم سري، يحتفظ بأكبر عدد من الأفراد غير المعروفين أو المكشوفين أمنيًا، ولديه تمويلات كبيرة ما زال يحتفظ بتدفقها.
ومعظم قيادات «القاعدة» من دول الخليج، ومن هنا يتلقون دعمًا كبيرًا جدًا، كما أن قيادات التنظيم ما زالت موجودة ومؤثرة وملهمة لبعض الشباب، مثل أيمن الظواهري، وحمزة بن لادن، وغيرهم، وفى الأخير فإن «القاعدة» يعتمد على اللا مركزية، فكل تنظيم تابع له من أى بلد مسئول عن تدبير أموره واتخاذ الإجراءات التى يجدها تناسب مقره، بالتوافق مع فكرة التنظيم الدولى لجماعة «الإخوان».
الأمر الثانى والأهم أن القاعدة أقل تطرفًا فى الفكر من «داعش»، فالفكر المتطرف العالى سريع الموت، لا يقبله سوى قلة، فـ«القاعدة» لا يفجر المساجد، وكل ما يقوم به أنه يكفر من يصلى فى المساجد التى تضم أضرحة، ولكن لا تفجرها، والفكر الأقل تطرفًا لديه القدرة على الاستمرار والانتشار، خصوصًا بين طلبة الجامعة.
ويمكن تلخيص آليات البقاء فى أن «القاعدة» أقل تطرفًا، أنه ليس تنظيمًا مركزيًا، ولم تتضح فكرة الدولة، وسرية التنظيم الذى يعتمد على إخفاء عناصره، كما أنه على علاقات بالمخابرات الدولية، مثل قطر.
■ كيف ترى العلاقة بين تنظيم «القاعدة» وقطر؟
- لا أحد يستطيع إنكار علاقات «القاعدة» بقطر ونظامها، وما يؤكد هذا طريقة الإفراج عن راهبات معلولا فى مارس ٢٠١٤، اللائى اختطفن من قبل فرع تنظيم القاعدة فى سوريا «جبهة النصرة»، فكان للدور القطرى أثر كبير فى الإفراج عن الراهبات، وأذيع هذا عبر القنوات الفضائية فى أكثر من دولة، وكذلك الإفراج عن الصحفيين الفرنسيين.
■ ما مصادر تمويل «داعش» و«القاعدة»؟
- تتنوع طرق التمويل للتنظيمين، بين تمويل مباشر وغير مباشر، أو الاستيلاء على أموال أو مواد خام وآثار قابلة للبيع، وعلى سبيل المثال فإن «دواعش» ليبيا استولوا على ٤٥٠ مليون دولار البنك المركزى الليبي، و«داعش» فى العراق سرق ٥٦٠ مليون دولار من البنك المركزى فى الموصل، بخلاف ما تم الاستيلاء عليه فى سوريا.
ووفق تصريحات زعماء أكبر دولتين، تتضح لنا طرقًا أخرى من التمويل، حيث قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن الولايات المتحدة الأمريكية هى التى أنشأت «داعش».
وأضاف «بوتين»، أنه وقت دخول القوات الروسية إلى أماكن التنظيم فى سوريا، وجدت ٢٠٠٠ سيارة نقل مواد بترولية (صهريج)، وحوالى ١٦ ألف سيارة دفع رباعي، وهذا التصريح يؤكد لنا وجود عمليات لنقل البترول السورى إلى الدولة الأقرب، تركيا، فهل كان يذهب لها بالمجان أم بربع الثمن؟ وهذا ما تم الكشف عنه لاحقًا.
ونأتى لتصريح ترامب أثناء الحملة الانتخابية له، فقد اتهم باراك أوباما وهيلارى كلينتون بأنهما اللذان أسسا «داعش»، وقال موجهًا كلامه لهما: «لقد أنفقتما ٦ مليارات دولار للإطاحة ببشار الأسد، فأنت ترحل والأسد باق»، لو كان ترامب كاذبًا لقضاه الحزب الديمقراطى أو أوباما.
كما أن هناك ٦٠ ألف مقاتل دخلوا سوريا من الحدود التركية السورية، فهل هؤلاء دخلوا سوريا دون علم الأمريكان أو الأتراك، أم دخلوا بمعرفتهم، كل هؤلاء تدربوا فى معسكرات على الحدود السورية التركية قبل دخولهم للأراضى السورية، وأقل فترة تدريب ٤٥ يومًا، فأين كانت الأجهزة الاستخباراتية من هؤلاء؟
ليس هذا فقط، بل كان هناك فى العراق ٦ ضباط أركان حرب إسرائيليون يقودون معارك «داعش» فى العراق، وخلال اقتحام الجيش العراقى للموصل اشترطت الولايات المتحدة إخلاء ١٠ ضباط إسرائيليين من الموصل قبل عملية الاقتحام.
كما كان جيش «داعش» يتكون فى العموم من أكثر من ٨٠ جنسية، على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول القوقاز.
■ كيف أثر تجنيد المقاتلين من أوروبا على الجماعات الإرهابية؟
- كان هذا أخطر أمر، إذ كانت أوروبا تعد مصنعًا لإنتاج الإرهاب على مستوى العالم، من خلال المراكز الإسلامية فى أوروبا، والتى قسمتها الدول الأوروبية إلى جهتين لا ثالث لهما، السلفيون، وجماعة الإخوان برعاية تنظيمها الدولي، وعلى رأسه اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا.
واستولى الفكر الوهابى على هذه المراكز من خلال ضخ التمويلات والدعم اللوجستى الكبير، ومن هذه المراكز تم تجنيد أكبر عدد من القوة الضاربة لـ«داعش»، خصوصًا أصحاب الأصول العربية والإفريقية.
■ كيف ترى مستقبل الجماعات الإرهابية فى مصر؟
- انحسار «داعش» فى العراق والشام سيعود بالسلب على كل تنظيماتها على مستوى العالم، والأمر الأكثر أهمية هو تراجع بعض الدول عن دعم الإرهاب بسبب النفقات الضخمة، التى تكبدتها، من دون نتيجة، بجانب التدخل الروسى بقوة لضرب قواعد هذه الجماعات، ومطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسى بمعاقبة الدول الداعمة للإرهاب، وهى الدعوة التى لاقت صدى دوليًا واسعًا.
كل هذه الأمور تعمل على تحجيم الإرهاب بشكل عام، ومن ناحية أخرى فإن هذه الجماعات قوية، حيث حصلت على أموال تكفيها أعوامًا عديدة.
■ ما العلاقة بين الإرهاب فى سيناء وجماعة «الإخوان»؟
- معظم قيادات الإرهاب فى سيناء كانوا معى فى سنوات السجن، وبعد خروجهم اتصلت بهم جماعة الإخوان، وأقاموا معها علاقات جيدة جدًا، كما اعترف زعيم «القاعدة»، محمد الظواهري، بأن نائب مرشد «الإخوان»، خيرت الشاطر، دعمه بـ١٥ مليون دولار لتوحيد الجماعات التكفيرية فى سيناء، وهذه هى اعترافاته فى النيابة، والمخابرات المصرية رصدت مكالمات بين محمد مرسى وأيمن الظواهرى من التليفون الخاص برفاعة الطهطاوي، الذى كان يعمل فى ديوان الرئاسة، وكما هو معروف فإن رفاعة الطهطاوى يرتبط بصلة قرابة مع أيمن الظواهرى (أبناء خالة).
وقال محمد مرسى للظواهرى فى المكالمة: «ازيك يا أمير المؤمنين أحوالك إيه؟ ابعتلى كل الناس اللى عندك أسكنهم فى سينا وليك عليا إنهم يعيشون عيشة رغدة، ولا يلاحقون أمنيًا». وقالت المخابرات المصرية إنها سجّلت ١٥ مكالمة بين محمد مرسى وأيمن الظواهري».
وأكدت هيلارى كلينتون العلاقة بين «الإخوان» والجماعات الإرهابية فى سيناء، ضمن كتابها «الخيارات الصعبة»، مشيرة إلى وجود اتفاق بينهم على إعلان إمارة إرهابية فى سيناء، فى ٥ يوليو ٢٠١٣، وتم الاتفاق مع ١٢ دولة على الاعتراف بها، ولضرب هذا المخطط خرج الرئيس السيسى بإعلان ٣ يوليو ٢٠١٣.
وفى مقابلة لى مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى حضور بعض الصحفيين، سألته عن موضوع استقطاع جزء من سيناء لصالح الفلسطينيين، وأجاب بأن هذه حقيقة فقد عرض عليه محمد مرسى ألا يطالب بإخلاء المستوطنات فى الضفة الغربية، وأنه سيعطى الفلسطينيين ٧٠٠ كيلومتر فى سيناء بدلًا منها.
وكان رد أبومازن أنه لا يستطيع حل القضية الفلسطينية على حساب مصر، بينما قال مرسى إنه سيعطى أرض سيناء لحركة «حماس»، وأكدت هيلارى كلينتون هذا الكلام بعد تصريحها باستحالة العودة لحدود ١٩٦٧، ولا بد من حل آخر، وكان هذا هو الحل الآخر أن يأخذوا قطعة من سيناء، وهو ما رفضه الرئيس الأسبق، حسنى مبارك.
■ ما طبيعة وسائل الدعم الأخرى التى تلقتها جماعة «الإخوان»؟
- أكد لى سعد الدين إبراهيم، مؤسس مركز «ابن خلدون»، والمعروف بعلاقاته بالبيت الأبيض، أن «أوباما» تم التحقيق معه فى الكونجرس على مدى جلستين، بسبب دعمه لـ«الإخوان» بثمانية مليارات دولار، وكان رده أن البيت الأبيض عرض على مبارك ٨٠ مليار دولار فى مقابل قطعة أرض من سيناء، واتفقت مع «الإخوان» على أن أعطيهم ثمانية مليارات، ويعطونا قطعة الأرض.
وهذا يثبت مقدار الدعم الذى يتلقاه إرهابيون من التنظيم الدولى لجماعة «الإخوان» عن طريق «حماس»، وما يزال الداعم الأساسى للإرهابيين فى سيناء هو التنظيم الدولي، وأيمن عبدالغني، الهارب إلى قطر وصهر خيرت الشاطر، أعطى فى السابق تعليمات للإرهابيين بالتعاون على كل المستويات، وأكبر دليل على هذا الاتهام الرسمى الموجه لـ«حماس» فى قضية اغتيال النائب العام، الشهيد هشام بركات، من خلال اعتراف العناصر، التى تم القبض عليها بأنهم تلقوا تدريباتهم على أيدى كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكرى لـ«حماس».
ومعظم الخلايا التى تم القبض عليها فى تفجيرات أبراج الكهرباء اعترفت بأنها تلقت التدريب على أيدى حماس، وهناك إرهابيون يتبعون تنظيم «القاعدة»، وكان هشام عشماوي، ضابط الصاعقة السابق وقائد التنظيم، يخدم فى هذه المنطقة، ولذلك يعلم جغرافيتها جيدًا.
■ هل يمكن أن تستمر الجماعات الإرهابية فى تنفيذ عملياتها داخل مصر؟
- لن تستمر هذه الجماعات فى الداخل المصرى لأسباب كثيرة، من بينها قوة الضربات الأمنية التى أشار إليها الرئيس السيسى فى أحد تصريحاته، حيث قال إنه خلال عام تم تدمير ١٤٠٠ سيارة دفع رباعى محملة بالأسلحة والعناصر الإرهابية، ولا يوجد تنظيم فرعى يستطيع أن يتدارك هذا الكم من الخسائر ويستمر.
ورغم أن التنظيم الدولى لجماعة «الإخوان» أغنى من دول مثل فرنسا، لأنه منذ أكثر من ٥٠ عامًا يسيطر على الجمعيات والمؤسسات الخيرية فى الخليج وأوروبا، ويتلقى الأموال دون رقيب، واستفاد التنظيم الدولى من الحرب الأفغانية عن طريق ما يسمى بـ«هيئة الإغاثة الدولية»، وكذلك فى البوسنة والهرسك، والشيشان، وفلسطين، وغزة.
والخلافات بين «القاعدة» و«داعش» فى صالح الدولة المصرية، وستكون لـ«القاعدة» يد طولى فى الفترة المقبلة.
وعندما ينهار التنظيم بشكل عام حينها يعتبر أفراد التنظيم ما تحت أيديهم غنائم، فيغيرون الأوراق الثبوتية، ويهاجرون إلى أماكن أخرى يستطيعون فيها العيش، ما يؤدى إلى انهيار التنظيم وعدم قدرته على العودة مرة أخرى.
■ كيف يؤثر الوضع فى ليبيا على مصر؟
- دعم مصر للمشير خليفة حفتر والجيش الليبي، سواء كان دعمًا لوجيستيًا أو غيره، سيؤثر بقوة على تلك الجماعات المنتشرة فى الأراضى الليبية، ومن جهة أخرى فإن الجانب التركى حاليًا لا يستطيع مواصلة دعم هذه الجماعات فى ليبيا، بسبب المشكلات المتعددة التى يعانى منها، خصوصًا المشكلة الكردية، ولا بد من استغلال هذا الموقف فى دعم الجيش الليبى من الجانب المصري.
ويحضرنى بيان من الجيش الليبى الحر، بقيادة حفتر، أكد أن الجماعات استولت على ٢٠ مليون قطعة سلاح من مخازن الجيش الليبي، فأين ذهب هذا السلاح؟ جزء كبير جدًا دخل إلى مصر عبر الحدود وقت حكم «الإخوان»، وجزء ذهب إلى موريتانيا، وآخر إلى السودان، حيث أشار الرئيس السيسى إلى أنه فى فترة حكم «الإخوان» كان يدخل إلى مصر على الأقل حاوية محملة بالسلاح يوميًا، ورغم ذلك تمت السيطرة على الحدود الغربية، ولا يعنى نجاح هشام عشماوى فى عملية إرهابية أن هذه الجبهة مخترقة، ولكن الخوف كل الخوف من الحدود الشرقية، خاصة المرتبطة مع غزة.